نشأت «الأصولية اليهودية» في الكيان المؤقت عقب حربَي عام 1967 وعام 1973، وتطورت مذ ذاك إلى قوة سياسية وثقافية مؤثرة في الساحة الإسرائيلية، حيث تتلخص أهدافها في بسط الحكم اليهودي على «أرض إسرائيل الكاملة»، وتعجيل عملية الخلاص.
صنّف البعض الأحزاب الدينية الحريدية (أغودات يسرائيل، وبوعالي أغودات يسرائيل، وديغل هتوراه، وشاس) كأحزاب دينية معادية للصهيونية، إذ يرى البعض أن الحريديم معادون للصهيونية لأنهم لا ينشدون «هتكفاه» (النشيد الوطني الإسرائيلي) في اجتماعاتهم الحزبية، ولا يرفعون علم "إسرائيل"، كما أنهم تبّنوا عدم الهجرة إلى فلسطين قبل قدوم المسيح (ع9، فمن وجهة نظرهم زمن الخلاص لم يبدأ بعد.
وهناك جدل حول أن العلاقة بين الحريدية والصهيونية تتسم بالمصالحة، فنظرة الحريديم إلى دولة إسرائيل متباينة، لكن أغلبهم ينظرون إليها بتعاطف شديد. فيما الحركة الصهيونية ذات جوهر ديني، رغم تصدر علمانيين قيادتها واتخاذها أشكالًا وبنى علمانية، مستندًا إلى أن رواد الصهيونية الأوائل كانوا من الحاخامات، وقد سبقوا العلمانيين الذين أنشأوا لاحقًا المنظمة الصهيونية العالمية، مؤكدًا أن التيار الصهيوني الديني كان حاضرًا منذ بدايات المنظمة الصهيونية العالمية.
إن الحريديم «محايدون» سياسيًا، ولا يهتمون بمسألة أراضي 1967، لكنهم في آخر عقدين تصهينوا، ويتفق عدة باحثين مع الادعاء بأنّ الحريديم لا ينخرطون على نحو فاعل في السياسة، لكونهم غير صهيونيين أو معادين للصهيونية. لذلك اعتزلوا الصراعات السياسية الجوهرية. في المقابل، يجادل آخرون بأنّ التيار الديني ليس قادرًا على التأثير في السياسات الإسرائيلية التقليدية فحسب، بل هو قادر أيضًا على التأثير في السياسات لاستراتيجية الإسرائيلية.
من المنتسبين إلى الأحزاب والجماعات الحريدية اثنان من رؤساء الكيان المؤقت: زلمان شازار (1963-1973)، وأفرايم كاتزير (1973-1978)، وهما من أتباع جماعة حبد الحريدية. زيادة على ذلك تقلد الحاخام عوفاديا يوسف (المرشد الروحي لحزب شاس وأحد مؤسسيه) منصب حاخام أكبر لدولة "إسرائيل" سنة 1968، وهؤلاء لم يكونوا معادين للصهيونية.
يدّعي البعض بأن الأحزاب الحريدية كانت تعيش على هامش الحياة السياسية، لكن مشاركة الأحزاب الحريدية في الحكومات المتعاقبة (سواء اليسارية بقيادة العمل أو اليمينية بقيادة الليكود) دورها مركزي. ففي الوقت الذي جلس على مقاعد المعارضة التيار الصهيوني التصحيحي ممثلًا بحزب حيروت (الذي يحصل عادةً على المركز الثاني في الكنيست بعد مباي)، كانت أحزاب التيار الديني بشقيها (الحريدي والقومي) تشارك في الحكومة، فقد تقلّدوا ثلث الحقائب الوزارية في الحكومة المؤقتة والأولى والثانية والثالثة، وحتى بعد انسحاب أحزاب الحريديم من الحكومة سنة 1952، بقي أحزاب التيار الديني القومي عنصرًا أساسيًا في الحكومات المتعاقبة، بتقلدها ثلاثة حقاب وزارية على الأقل في كل حكومة.
إنّ أحزاب التيار الديني كانت معتدلة في ما سبق، لكنها أصبحت متطرفة في مواقفها السياسية في العقد الأخير، كما يوجد تصور مغلوط عند البعض عن عدم مشاركة الحريديم في التجنُّد في جيش الاحتلال الإسرائيلي، فبحسب اتفاق «عمله توراته» المنعقد بين الحريديم والدولة يتم إعفاء المنخرطين في دراسة التوراة من التجنيد الإجباري. لكن هذا التصور يعكس جزءًا من الصورة الإجمالية، حيث يشارك جزء من الحريديم في الجهد القتالي والجيش. فقبل إقامة الكيان الصهيوني انضم عدد كبير من أعضاء منظمة بوعالي أغودات يسرائيل إلى منظمة ليحي العسكرية. واشتركت منظمة أغودات يسرائيل في إنشاء لجنة خاصة للدفاع عن القدس سنة 1948 إلى جانب القوى الصهيونية، كما انضم معظم منتسبي المنظمة إلى المقاتلين اليهود. يضاف إلى ذلك؛ تم إنشاء لواء بالجيش (الناحال) في خضم سنة 1948 لاستيعاب الحريديم وتجنيدهم، حيث يقتصر هذا اللواء على المجندين الذكور دون الإناث، لمراعاة معتقدات الحريديم.
وأخيرا، يظهر تحولًا في توجهات الأحزاب الحريدية نحو التصهين والخلاصية، وأن جوهر الصهيونية استند إلى الخلاصية والمسيانية المعلمنة؛ فما نلمسه مؤخرًا هو كشف عن جوهر وبنية الصهيونية أكثر من كونه تحولًا داخلها.
وأعاد الحريديم إنتاج الأفكار والمبادئ نفسها التي تأسس عليها تيارهم، من أرض "إسرائيل" الكاملة، والسعي لإقامة دولة شريعة توراتية، والفكر الخلاصي، وتشجيع الاستيطان، وانتهاج القوة والعنف، ورفض نشوء أي كيانية فلسطينية بين نهر الأردن والبحر المتوسط تتمتع بالسيادة أو الاستقلال.