أصدرت المحكمة العليا للاحتلال الإسرائيلي، يوم أمس الثلاثاء 25/6/2024، حكماً بإلزام طلاب المدارس الدينية الحريديم بالتجنيد في الجيش، وطلبت من الحكومة التي يقودها نتنياهو قطع الدعم المالي عن المدارس الدينية التي لا يتجند طلابها، مؤكّدةً أنّه "لا يوجد صلاحية للدولة لإعفائهم".
ينضم القرار إلى الأزمات المتتالية للحكومة الإسرائيلية المأزومة والائتلاف الحاكم، على ضوء تصاعد الاحتجاجات المطالبة بإجراء انتخابات مبكّرة، والتصويب على نتنياهو وحكومته التي أثبتت فشلها في إدارة الحرب، وقبلها وصمة عار 7 تشرين الأول، "التاريخ الوحيد الذي سيحمله نتنياهو" بحسب رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد.
تجنيد 3000 من الحريديم
فرضت الحرب في غزة وعلى الجبهة الشمالية عبئاً كبيراً على جيش الاحتلال، وخاصة الوحدات القتالية التي تحتاج إلى المزيد من الجنود للتعامل مع حرب على جبهتين مشتعلتين منذ 8 أشهر.
وتركز المشاورات بين الجيش والحكومة والنيابة العامة حالياً على تجنيد 3000 رجل من الحريديم فقط ، على أساس أن هذا هو الحد الأقصى لعدد الرجال الأرثوذكس المتطرفين الذين يمكن للجيش الإسرائيلي استيعابهم هذا العام. في هذا السياق، اعتبر الكاتب "عاموس هاريل" في صحيفة هآرتس العبرية بأن "الجيش سيرتكب خطأً إذا شارك في مناورة أخرى ابتكرها مجلس الوزراء والكنيست واكتفى بالمطالبة بهذا العدد المحدود من المجندين الأرثوذكس المتطرفين". وأضاف "يجب أن ننظر إلى الصورة الكبيرة. إن الإحباط بين الإسرائيليين الذين يخدمون هائل. ومن الصعب تصديق أنهم سيكونون راضين عن صياغة عدد رمزي فقط من الرجال الأرثوذكس المتطرفين عندما تزداد المخاطر والأعباء بشكل كبير".
إن حكم المحكمة، الذي كان متوقعًا نظراً لتعليقات القضاة خلال جلسة الاستماع الشفهية على الالتماسات، أثار ردوداً واسعة. وهدد الطلاب الحريديم بترديد شعارهم حول هذه القضية "الموت بدلاً من التجنيد".
أما رجال دين الطائفة المتشددة يشعرون بقلق لا سابقة له منذ الأيام الأولى لتأسيس "إسرائيل" في 1948، حينما أعفى ديفيد بن غوريون نحو 400 طالب من الخدمة العسكرية ليتسنى لهم تكريس أنفسهم للدراسة الدينية.
طعنة في خاصرة ائتلاف نتنياهو
وفقاً لوكالة "أسوشييتد برس" يمهّد حكم المحكمة الآن الطريق نحو تزايد الاحتكاك داخل الائتلاف بين أولئك الذين يدعمون تجنيد مزيد من اليهود المتشددين وأولئك الذين يعارضون الفكرة. ومن المرجح أن يواجه المشرعون المتدينون ضغوطاً شديدة من الزعماء الدينيين وناخبيهم، وقد يضطرون إلى اختيار ما إذا كان البقاء في الحكومة أمراً يستحق العناء بالنسبة إليهم.
وتعارض الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة القوية سياسياً، والشركاء الرئيسيون في الائتلاف الحاكم لنتنياهو، أي تغيير في النظام الحالي. وإذا أُلغيت الإعفاءات فقد يؤدي ذلك إلى تفكك الائتلاف، ما يتسبّب في انهيار الحكومة وإجراء انتخابات جديدة.
أما بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فإن المخاطر المحيطة به أصبحت أعظم، فمع أن الرأي العام يبدو مؤيداً لإلغاء الإعفاء فإن حكومته تضم حزبين دينيين يمكن أن يؤدي انسحابهما من الائتلاف-كما أسلفنا-إلى إجراء انتخابات جديدة، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو سيخسرها. وكانت صحيفة "معاريف" قد قالت قبل أيام إنّ حكم المحكمة "سيكون قنبلة قانونية قد تؤدي إلى انهيار الحكومة".
حكم العليا ينشئ في الواقع دولتين اثنتين
في التعليقات على القرار رأى وزير "شؤون القدس وتراث إسرائيل"، مئير بروش، أن "حكم المحكمة العليا ينشئ في الواقع دولتين اثنتين. واحدة، هي الدولة التي تدار كما هي الآن. والأخرى هي التي سيستمر فيها أبناء المعاهد الدينية في دراسة التوراة كما دأبوا في الدولة التي أعلنها بن غوريون". وأضاف "لا يوجد قوّة في العالم بمقدورها إجبار شخص روحه معلّقة بدراسة التوراة على ألا يفعل ذلك". أيضاً، رأى رئيس حزب "شاس" الحريدي، أريه درعي، أن "الشعب اليهودي صمد في وجه الملاحقة والحروب والاضطهاد، فقط بفضل الحفاظ على وحدته وتوراته". لا بد من الإشارة في هذا الصدد، إلى الاستياء الواسع بين العلمانيين المفتقدين لشعورهم بالمساواة في قانون التجنيد، حتى أن العدد الرمزي (3000 مجنّد جديد) من الطائفة المتشددة لن يطفئ الانقسامات الاجتماعية بين والمتشددين العلمانيين، حيث تشعر الأخيرة بأن ضرائبها تذهب إلى طلاب المدارس الدينية الذين لا يقاتلون في الجيش.
تنبئ هذه المؤشرات أن قضية الحريديم والمطالبة بالمساواة في التجنيد والقلق الذي تشعر به الجماعة والأهم الخطر المحدق بائتلاف نتنياهو المتصدّع، إلى أن القضية لم تنتهي بقرار يوم أمس، بل بدأت الآن.
الكاتب: حسين شكرون