لقد أثبتت معركة طوفان الأقصى بجبهاتها القتالية والمساندة، أهمية ما يملكه محور المقاومة من ترسانة كبيرة للطائرات دون طيّار، بكافة أنواعها ومهامها، بما أثبت ما نُشر خلال الأعوام السابقة عن ذلك، في مختلف وسائل الإعلام، وبخاصةً تلك التابعة للمحور.
فقد كان للطائرات دون طيار التي بحوزة قوى المقاومة، تأثير استراتيجي وعسكري، على مشهد الصراع بينها وبين الكيان المؤقت وداعميه في المعسكر الغربي الأمريكي. ومنذ أواخر التسعينيات، كانت إيران في طليعة تطوير ونشر تكنولوجيا الطائرات دون طيار، ودمجها في عقيدتها العسكرية، وتزويد حلفائها في محور المقاومة بها. وقد أدى هذا إلى تحقيق إنجازات مهمّة في الحرب اللامتناظرة، وفرض تحديات جديدة وخطيرة على المعسكر المقابل، لا يُمكن بسهولة مواجهتها، بل سيتطلب الأمر الكثير من الجهود والإمكانيات لمحاولة الحدّ منها.
وبرنامج الطائرات دون طيار الخاص بمحور المقاومة، هو برنامج واسع النطاق ويشمل مجموعة متنوعة من الطائرات، تتوزع على فئات عديدة: من طائرات الاستطلاع الصغيرة إلى الطائرات بدون طيار المسلحة الأكبر حجمًا القادرة على الضربات الدقيقة، وصولاً الى الطائرات الانقضاضية التي أظهرت تفوقها في ميادين أخرى. والهدف الأبرز من هذا البرنامج، بناء قدرة وقوة جوية حديثة، تشابه في التأثير ما يمتلكه ويحتكره المعسكر المقابل، من قدرات جوية متطوّرة. فهذه الطائرات المسيّرة، غير مكلفة نسبيا مقارنة بالطائرات المأهولة التقليدية (تكاليف الطائرات ومطاراتها وصيانتها، ومنظومات المراقبة والتحكم الجوي، وبرامج إعداد الكوادر المشغّلين لها، وإلخ...)، بما يجعلها خيارا جذابا للاستراتيجية العسكرية، وخاصة في ظل القيود المفروضة على كل المحور، لمنع وصول هكذا تقنيات وقدرات إليه.
وقد أثبتت الطائرات بدون طيار الأكثر تقدما في الجمهورية الإسلامية أو في لبنان واليمن وفلسطين والعراق وسوريا، مثل عائلة شاهد والهدهد وأبابيل ومهاجر ويافا والصماد والمحلقّات FPV وغيرها، نجاحها وقدرتها على تنفيذ مهام قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، بما في ذلك الاستطلاع والمراقبة والعمليات الهجومية.
أبرز الإنجازات
_ ضرب أهداف لكيان الاحتلال الإسرائيلي في الأطراف والعمق والخارج، وتجاوز أهم منظومات الاعتراض الجوي المتطوّرة في العالم:
1)استطاعت الجبهات اليمنية والعراقية والإيرانية (خلال عملية الوعد الصادق 1، من استهداف أطراف وعمق الأراضي الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك الهجمات على البنية التحتية النفطية الحيوية (في حيفا)، واستهداف المنشآت الحيوية مثل ميناء إيلات، وضرب القواعد العسكرية الإسرائيلية في الجولان المحتل والقواعد الأمريكية خاصةً في سوريا، واستهداف السفن التجارية التي تستخدمها إسرائيل في بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط وصولاً الى رأس الرجاء الصالح في أفريقيا.
2)استهداف المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله، للعديد من مواقع وقواعد جيش الاحتلال العسكرية ومواقع انتشار الجنود والآليات، وتكوين صورة جوية لأهم وأبرز المناطق الجيوستراتيجية لإسرائيل وتحديثها باستمرار، وإلحاق أضرار مادية ونفسية كبيرة بإسرائيل.
3)تمكنت المقاومة الفلسطينية من استخدام الطائرات الاستطلاعية في كشف التوغلات البرية وأماكن انتشار القوات الإسرائيلية. كما استطاعت المحلّقات المسيّرة مهاجمة جيش الاحتلال، خلال وبعد عملية طوفان الأقصى.
كل هذه العمليات خلقت تحدي واضح وكبير أمام المنظومات الاعتراضية، التي تملكها إسرائيل وأمريكا وحلفائهما في المنطقة (القبة الحديدية، مقلاع داوود، باتريوت،...). فغالبًا ما تكون أنظمة الدفاع الجوي التقليدية، مصممة لاعتراض الطائرات المأهولة أو الصواريخ، لكنها غير مجهزة للتعامل مع الطائرات دون طيار الصغيرة ذات البصمة الرادارية المنخفضة او المعدومة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التكلفة المنخفضة لإنتاج الطائرات المسيّرة تعني أن محور المقاومة بإمكانه نشرها بأعداد كبيرة، مما يربك أنظمة الدفاع بتكتيكات السرب.
هذا التحدّي دفع إسرائيل على وجه الخصوص للإستثمار في التقنيات المصممة لاكتشاف وتدمير هذه الطائرات، مثل الأنظمة القائمة على الليزر وقدرات الحرب الإلكترونية. ومع ذلك، فإن هذه الأنظمة لا تزال قيد التجارب المكلفة، والتي لا تتناسب مع تطورات المعركة السريعة.
_ خلق تهديد استراتيجي للكيان وحلفائه:
باتت إسرائيل تنظر إلى هذه القدرة باعتباره تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. وهذا ما تبيّن بشكل واضح، بعد عملية يافا اليمنية الأولى، حينما اضطرتها هذه العملية الى تنفيذ هجوم جوي بعيد المدى، لصنع إنجاز إعلامي يُرضي داخلها، ولكي تحاول ردع جبهات محور المقاومة عن تنفيذ عمليات مماثلة (وهو ما فشلت به، بعد تكرار هذا النوع من العمليات وتطيرها كماً ونوعاً)، وبسبب فشل الحلف الأمريكي في مساعدتها على التصدّي لهذا التهديد.
فهذه الهجمات تير مخاوف سلطات الاحتلال، بشأن إمكانية قيام هذه الطائرات غير المأهولة، بشن هجمات قاتلة على البنية التحتية الحيوية أو المنشآت العسكرية للكيان.
أمّا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فقد أربكت الطائرات المسيّرة الإيرانية واليمنية، قواتها المتواجدة في المنطقة، وليس مبالغاً فيه بأنها أعجزتها. بحيث تم استخدام هذه الطائرات لجمع المعلومات الاستخباراتية حول تحركات القوات الأمريكية وحتى استهداف الأصول الأمريكية، مثل السفن والأساطيل وحاملات الطائرات العسكرية. وقد وفر هذا التكتيك لمحور المقاومة ميزة استراتيجية، مما يسمح لهم باستكشاف الدفاعات الأمريكية دون المخاطرة بخسائر كبيرة. كما يمكن إطلاق المسيّرات من منصات يصعب اكتشافها، بما يجعل استهدافها أكثر تعقيدًا على القوات الأمريكية.
فما هي أبرز الطائرات دون طيّار التي استخدمها محور المقاومة خلال العام الأول من هذه المعركة؟
_طائرات دون طيار من طراز (FPV): وهي طائرة عالية السرعة تسمح للطيار بالرؤية من منظور الطائرة المسيرة – واستخدمتها المقاومة في مهاجمة المواقع العسكرية الإسرائيلية، ضد آليات ودشم ومنظومات رصد واعتراض الطائرات المسيّرة.
تمتلك هذه الطائرات قدرات تكتيكية مهمة، مثل التسارع من صفر إلى 100 كيلومتر (62 ميلاً) في الثانية، وأداء مناورات غير محتملة مثل الطيران عبر المناطق المبنية والنفوذ من خلال النوافذ الصغيرة. ويمكن تسليحها بقنابل يدوية أو قنابل صغيرة كالتي استخدمتها المقاومة الفلسطينية خلال وبعد عملية طوفان الأقصى.
_طائرة الهدهد: كان الكشف عن هذه الطائرة الاستطلاعية وبعش المشاهد التي صوّرتها، أحد مفاجآت المقاومة خلال هذه المعركة، بحيث استطاع الحزب الوصول الى عمق إسرائيل، ورصد واستطلاع أهم وأبرز المواقع والقواعد العسكرية والمواقع الحيوية من الجولان المحتلّ وطبريا الى حيفا وصولاً الى قاعدة رامات دايفيد الجوية، خلال فترات متعدّدة، دون أن يتمكن الاحتلال من رصدها فضلاً عن اعتراضها.
_الطائرات الانقضاضية: استخدم الحزب العديد من طائراته المسيّرة القديمة، لتنفيذ هجمات اتقضاضية ضد أهداف ومواقع وآليات وتحشدات وانتشارات جيش الاحتلال، حتى عمق يتجاوز 30 كلم في فلسطين المحتلة، وفي منطقة تمتد من الجولان المحتّل حتى ساحل البحر المتوسط.
واعترفت أوساط الاحتلال خاصة العسكرية، بأن هذه الطائرات شكّلت لهم كابوساً مرعباً، كون الجنود لا يستطيعوا اسقاطها، وإن علموا بوجودها.
_ طائرات انقضاضية صامتة مثل شاهد 101: تتميز بأنها ذات قدرة عالية على المناورة ومن الصعب للغاية على سلاح الجو الإسرائيلي اكتشافها واعتراضها. وهي تعمل بالكهرباء، بعكس الطائرات المسيّرة الأخرى التي تعمل بالوقود. لذا هي هادئة للغاية ويكاد يكون من المستحيل سماعها من الأرض، كما يساعد الأمر في تقليل بصمتها الحرارية. ويصل مداها إلى 900 كم بسرعة أقصاها 120كم/س، ويمكنها حمل متفجرات يصل وزنها إلى 10 كغ. وقد زوّدت بجهاز مكافحة التشويش، وجهاز توجيه الكترو-بصري EO/IR، مما يسمح لها بإرسال الصور إلى غرفة التحكم في الوقت الفعلي. وبإمكانها الطيران لفترات طويلة، وعلى ارتفاعات منخفضة ومن خلال التضاريس الجبلية الصعبة.
وتُستخدم هذه الطائرة أيضاً من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران والمقاومة العراقية (تحت اسم مراد 5) والقوات المسلحة اليمنية، وهناك مزاعم بأنها استخدمت في أوكرانيا أيضاً.
_الطائرات المسيّرة المسلّحة: أعلن حزب الله، خلال أيار / مايو 2024، عن تنفيذ عملية "بمسيّرة هجومية مسلحة" مزودة بصاروخين من طراز "أس-5"، والتي هاجمت موقعاً عسكرياً في المطلة المحتلّة، قبل أن تنفجر. ونشر الإعلام الحربي للمقاومة مقطع فيديو يوثق تحليق المسيّرة باتجاه الموقع حيث تتواجد دبابات، ولحظة إطلاقها الصاروخين قبل أن تنقضّ على هدف في الموقع. وذكرت تقارير الحزب بأن وزن الرأس الحربي للمسيرة يتراوح بين 25 و30 كغ من المواد شديدة الانفجار.
وكانت هذه العملية هي المرة الأولى، التي يهاجم فيها "سلاح جو لبناني"، هدفا عسكرياً إسرائيلياً في الداخل الفلسطيني المحتل.
_صماد 4: هي طائرة انقضاضية متعددة المهام، يصل مداها إلى أكثر من 2000 كم، وتحمّل كمية كبيرة من المتفجرات المخصّصة لاستهداف المنشآت الحيوية والاستراتيجية، كما تستطيع حمل صاروخين بوزن 25 كغ لكل منهما، ولديها القدرة العالية على التخفّي عن الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
تنتمي طائرة "يافا" التي نفّذت عمليتها النوعية ضد هدف في تل أبيب في 19 تموز / يوليو 2024، الى هذه الفئة من الطائرات المسيّرة. وقد أصابت طائرة "يافا" حينها مبنى في "تل أبيب" بالقرب من السفارة الأمريكية، بعد أن قطعت مسافة تصل إلى 2000 كلم على مدار 10 ساعات.
_صماد 1 و2 و3: استخدمتها القوات المسلحة اليمنية باستهداف السفن التجارية التي خرقت قرار حصار الكيان، وباستهداف السفن الحربية الأمريكية.
_شاهد-136 الانقضاضية: وهي من أشهر الطائرات المسيّرة المصممة للطيران نحو هدفها والانفجار فيه. وقد تداولت العديد من الوسائل الإعلامية، أن المقاومة الإسلامية في العراق قد استخدمتها في الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا.
_كرار: تتميز هذه الطائرة بأنها عالية السرعة وطويلة المدى وقادرة على حمل الصواريخ والقنابل. وفي حين أنها طائرة بدون طيار قتالية، إلا أنه يمكن استخدامها أيضًا للمراقبة.
تمتلك القوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية هذه الطائرة، وهناك تقديرات إسرائيلية بأنه قد يكون حزب الله قد حصل عليها أيضاً، وربما تكون هذه الطائرة هي المستخدمة في عملية "يوم الأربعين" ضد معسكرات غليلوت.
_قاصف-1/2ك: استخدمتها القوات المسلحة اليمنية ضد أهداف أمريكية، وهي نسخة معدلة ومطوّرة عن طائرات أبابيل دون طيار.
_أبابيل-2 و3: تُستخدم هذه الطائرات بدون طيار بشكل متكرر للمراقبة والهجمات الخفيفة. ومن المرجّح بأنها موجودة بحوزة فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية.
_أبابيل-ت: أكثر تخصصًا للضربات التكتيكية، ويمكنها أن تعمل أيضا كطائرة انقضاضية، على غرار سلسلة شاهد.
_مهاجر-6: يتم استخدامها في مهام قتالية ومراقبة، ويمكنها حمل ذخائر موجهة بدقة.
_الزواري: طائرات صنعتها كتائب القسام واستخدمتها في معركتي سيف القدس وطوفان الأقصى. وتستخدم هذه المسيّرات في الاستطلاع والرصد نظرا لخفة وزنها وسهولة حركتها. كما تستخدم في تنفيذ العمليات القتالية المباشرة، لأنها لديها القدرة على إصابة المنشآت والأهداف بدقة عالية. وبإمكانها أيضاً حمل أسلحة مثل الصواريخ أو القنابل الصغيرة، كما يمكن استخدامها في الحرب النفسية والمعنوية، عبر تخويف العدو بإسقاط منشورات أو إرسال رسائل صوتية.
الكاتب: غرفة التحرير