الجمعة 15 تشرين ثاني , 2024 07:24

الجبهة الجنوبية.. المقاومة تستهدف في العمق والجيش الإسرائيلي يغير استراتيجيته العسكرية

جنود إسرائيليون في قرية الناقورة بجنوب لبنان

منذ أن بدأ الكيان المؤقت عدوانه على لبنان وضع هدفاً محدداً وهو إعادة سكان الشمال، ولتحقيق هذا الهدف يعمل العدو في عمليته العسكرية على هدفين رئيسين، وهما تدمير قدرات حزب الله وإبعاده الى ما وراء الليطاني، بالإضافة الى ذلك شرع العدو في العملية البرية المحدودة.

إلا أنّ ما تظهره مجريات المعركة أنّ العدو الذي حاول أن يصيغ أهدافاً "معقولة" لم يستطع الى اليوم تحقيق أيٍ منها، ويعود ذلك إلى المرونة التي تمتلكها المقاومة، وسرعة استيعابها للضربات المتتالية، وهو ما يتضح جلياً في قدرتها على استهداف تل أبيب أي العمق الصهيوني، بالإضافة إلى العمليات التي تنفذها في القرى الحدودية التي دخلها العدو في المرحلة الاولى للعملية البرية.

العمق التعبوي والاستراتيجي

بلغت عمليات المقاومة يوم أمس 32 عملية، واستهدفت عملياتها العمق التعبوي والاستراتيجي لكيان الاحتلال، حيث ضربت قاعدة ستيلا ماريس البحرية (استخبارات بحرية) وقاعدة إلياكيم (تدريب) بصواريخ نوعية، وقاعدة تل حاييم (استخبارات عسكرية - أمان) في تل أبيب بصواريخ نوعية.

تُمثل هذه الضربات نقلة نوعية في مدى وصول المقاومة وقدرتها على استهداف مواقع حسّاسة في العمق الإسرائيلي. وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن المقاومة كثّفت في الأسابيع الأخيرة استهداف القواعد العسكرية الإسرائيلية والمصانع العسكرية، من خلال الاستهدافات الجوية بالمسيرات الانقضاضية أو بالصواريخ الاستراتيجية. وتُظهر هذه الضربات قدرة متطورة على استهداف مراكز القيادة والسيطرة والمنشآت الحيوية، مما يعطّل قدرات العدو الاستخباراتية واللوجستية. وبالحديث عن القدرات الاستخبارية أسقطت المقاومة يوم أمس طائرة هرمز 450، الذي يُظهر تطوراً مهماً في قدرات الدفاع الجوي للمقاومة، ومكافحة الاستطلاع الجوي ويُحدّ من قدرة العدو على جمع المعلومات.

مجريات العملية البرية

بعدما أعلن العدو قبل 48 ساعة بدء توسيع عمليته البرية في منطقة عمليات الفرقة 36 يبدو أن مجريات وتداعيات ما حصل أمس من قتال ومن عمليات اعتراضية في مربع التحرير (بنت جبيل - عيناتا - عيترون - مارون الراس) قد دفع العدو إلى تغيير شامل في استراتيجيته العسكرية على الجبهة اللبنانية.

فقد حرك العمليات في المحور الاول في منطقة عمليات الفرقة 146 وفي المحور الرابع الذي ضم إليه المحور الثالث وأصبحت الفرقة 91 (المعروفة بفرقة الجليل) مسؤولة عن المنطقة الممتدة من بليدا حتى كفركلا. بعدما طُعّمت بعدد من ألوية الوحدات الخاصة التابعة للفرقة 98 التي كانت تمارس القتال في المحور الرابع بين كفركلا وحولا. وقد تم الكشف حتى الآن عن لواءين من الفرقة تم تطعيم الفرقة 91 بهما، وهما اللواء 35 مظليين ولواء 89 كوماندوس المعروف بلواء عوز والذي يضم 3 وحدات للعمليات الخاصة، هي: الوحدة 212 "ماجلان" (وحدة استطلاع خاصة متخصصة بالمنشآت ذات الطابع العملياتي ووحدات ضد الدروع ومنصات الصواريخ)، والوحدة 217 "دوفديفان" وهي (وحدة مكافحة الإرهاب السرية التي، كانت تحت إمرة القيادة المركزية)، ووحدة 621 "إيغوز" (وهي وحدة حرب العصابات الخاصة التي كانت في حرب تموز 2006 ضمن لواء غولاني ولكن قائد المنطقة الشمالية الحالي الجنرال غوردين سحبها من لواء غولاني وأعاد تشكيلها وتنظيمها لغرض أعمال الكوماندوس ودمجها ضمن اللواء 89). في هذا السياق، أكدت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أنّ الهجمات، التي نفّذها حزب الله ضدّ وحدة "إيغوز" والكتيبة الـ51 من لواء "غولاني"، الذي كبّده الحزب الخسائر الأكبر منذ تأسيسه، دفعت جيش الاحتلال إلى إعادة تقييم التكتيكات التي يتّبعها في جنوبي لبنان.

 ولم يعلم بعد إذا ما أبقت القيادة باقي استعدادات الفرقة 98 بتصرف الفرقة 91 أم لا. كما لم يعرف بعد مصير اللواء المدرع السابع التابع أصلاً للفرقة 36 إلا ان قيادة العدو أبقته احتياطاً ضارباً للفرقة 91.

عموماً يظهر هذا التغيير في الترتيب والاستعداد والانتشار على الجبهة الشمالية نوايا العدو وهي تضييق القتال بعد توسيع العملية البرية إلى مساحات انتشار ومناورة هجومية أقل وحصر الجبهة مؤقتاً بأقل من 120 كيلومتراً فبعدما كانت ممتدة من أطراف شبعا الشمالية إلى الناقورة أصبحت اليوم تناور بين كفركلا والناقورة، ويبدو من تعليق العمليات الهجومية للفرقة 210 مؤقتاً أن الفرقة 210 أصبحت في وضع التأمين وباتت حتى إشعار آخر خارج العملية البرية الكبيرة التي بدأت قبل 48 ساعة.

أما بالنسبة للفرقة 91 فإن إعادة تعزيزها ببعض الاستعدادات القوية من الفرقة 98 أدى إلى معاودتها فتح جبهة (مركبا - حولا) من جديد، ولكن على محورين الأول باتجاه مركبا من جهة وادي هونين، والآخر باتجاه حولا من موقع العباد ومستعمرة المنارة، وقد يفتح العدو محوراً ثالثاً من وادي هونين باتجاه الطيبة. هذا الجهد الهجومي الذي يتشكل في منطقة عمليات الفرقة 91 لا زال ينفّذ مناورات هجومية ولم ينتقل بعد للمشاركة بالعملية البرية الواسعة. بانتظار استكمال تشكيلاته وتنظيم استعداداته.

وهذا ان دل على شيء فإنه مؤشر على تراجع رغبة العدو حالياً على المدى المنظور بالتوغل في المحاور الشرقية والوسطى والاقتصار على القتال في المحاور الغربية التي تمتد من عيترون وحتى الناقورة. 

وفي ذلك مؤشر إلى أن العدو ينوي تركيز العمل في الغرب ومحور أهداف هجومه ستصبح التالية:

- المحور الثاني أي منطقة عمليات الفرقة 36 والذي يبدو أن هجومه الرئيسي سيكون فيه.

- المحور الاول أي منطقة عمليات الفرقة 146 والذي يبدو أن هجومه فيها سيكون هجوماً تثبيتياً.

ويعزز ذلك طبيعة نشاط العدو القتالي في المحور الأول، الذي يقتصر على تنفيذ توغلات بعمق 1.5 إلى 2 كلم، وعمليات خاصة هدفها السيطرة على التلال الحاكمة في المنطقة كتلة اللبونة وبلدة طير حرفا الاستراتيجية وتلة بلدة شمع الهامة وبلدة البياضة الذي تركز القتال في بقعتهما هذا النهار. إذ نفذ العدو توغلاً باتجاه ميمنة هذا المحور على بلدتي شيحين والجبين ومن وسطه من بلدة الضهيرة باتجاه طير حرفا بهدف الوصول الى مقام شمعون الصفا وإلى ساحة البياضة دون نتيجة. ويشرف هذين العارضين المهمين بالرؤية على المنطقة الممتدة من القليلة المنصوري بيوت السياد جنوباً، وصولاً إلى مدينة صور شمالاً وتشرف شرقاً على معظم الحيز الثاني لمنطقة عمليات الفرقة 146 في المحور الاول.

ويختلف ذلك عن طبيعة القتال الذي يجري في منطقة عمليات الفرقة 36 الذي يتركز كله حالياً على شرق مدينة بنت جبيل وبلدة عيناتا وفي غرب المحور الثاني (القوزح - بيت ليف - دبل - حانين - عين إبل).

وتستمر المعارك الطاحنة على أطراف بنت جبيل الشرقية والجنوبية على أربعة محاور:

- محور مارون الراس - حي المسلخ

- محور عيترون - حي المسلخ

- محور عيترون - عيناتا (كرم الزيتون)

- محور يارون - بنت جبيل (وهذا المحور المتوقع أن تتحرك فيه الدبابات التابعة للواء 188 المدرع، إلا أن المقاومين لم يمكنوا العدو بعد من اجتياز القسم الشمالي الشرقي ليارون من جهة المقبرة).

هناك معارك طاحنة أخرى في محور (القوزح - بيت ليف) و(دبل - حانين - عين إبل) تحتاج إلى بعض الوقت لتتبلور نتيجتها.

استخدمت المقاومة الإسلامية تكتيكات متنوعة في عملياتها يوم الخميس 14-11-2024، موزعة على أربعة محاور رئيسية، مع ضربات في العمق الاستراتيجي والتعبوي. إليك تحليل لكل محور:

المحور الأول (منطقة مسؤولية الفرقة 146):

ركزت المقاومة على مزيج من الضربات الصاروخية والهجمات بالمسيرات، واستهدفت مواقع عسكرية رئيسية على الحافة (جل العلام)، قواعد لوجستية (شمال شرق نتيف هشايارا)، ومستوطنات (نهاريا، عين يعقوب، حانيتا، شلومي، طيرحرفا) باستخدام المسيّرات الانقضاضية ضد عين يعقوب، مما يدل على تنويع القدرات التعرضية الهجومية للمقاومة.

نجحت المقاومة في استهداف مجموعة متنوعة من الأهداف في هذا المحور، مما يشير إلى قدرتها على تحديد مواقع العدو وضربها بدقة، والهجوم على قاعدة لوجستية للفرقة 146 يُعتبر ضربة مُؤثرة قد تُعيق عمليات العدو.

المحور الثاني (منطقة مسؤولية الفرقة 36):

استخدمت المقاومة الصواريخ بكثافة في هذا المحور، مستهدفةً مستوطنات (سعسع، ديشون، يرؤون، برعام، المالكية) وثكنة عسكرية (دوفيف). بالإضافة إلى ذلك، شنت هجمات بالمسيرات الانقضاضية على مستوطنتي يرؤون وعين يعقوب.

يبدو أن هذا المحور شهد أعلى كثافة للنيران، بسبب توسيع العدو لعملياته البرية في لبنان باستخدام المسيّرات إلى جانب الصواريخ، إذ يعكس رغبة المقاومة في تكبيد العدو خسائر مادية وبشرية وإرباك استعداداته، كما واستهداف ثكنة دوفيف يُعد ضربة مُوجعة للعدو.

المحور الثالث (منطقة مسؤولية الفرقة 91):

تركزت العمليات في هذا المحور على استهداف القوات المتوغلة باستخدام الصواريخ وقذائف المدفعية، كما وتم استهداف مستوطنات (يسود هامعلاه، المنارة). يُظهر استخدام المدفعية إلى جانب الصواريخ مرونة تكتيكية وقدرة على التكيف مع طبيعة الأهداف، واستهداف القوات المتوغلة يُشير إلى رصد دقيق لتحركات العدو وسرعة رد الفعل.

المحور الرابع (منطقة مسؤولية الفرقة 210):

استهدفت المقاومة القوات المتوغلة في منطقة العمرا جنوب بلدة الخيام بالصواريخ، كما قصفت مستوطنة كفر يوفال. تُوحي العمليات في هذا المحور بقدرة المقاومة وجاهزيتها لإعاقة أي تقدم للعدو شمالاً وحماية العمق اللبناني.

أظهرت المقاومة الإسلامية تنسيقاً وتخطيطاً جيداً في عملياتها، من خلال تنويع التكتيكات بالصواريخ، والمسيّرات، والمدفعية واستهداف مجموعة متنوعة من الأهداف العسكرية واللوجستية والاستخباراتية وضرب قواعد عسكرية ومستوطنات، مما يُشير إلى رغبة في شلّ قدرات العدو على مُختلف المستويات، والضربات في العمق الاستراتيجي تُمثل تطوراً مُهماً وترسل رسائل رادعة للعدو، كما ونجاح مكافحة الاستطلاع الجوي يُعزز من فعالية العمليات.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور