عملية استباقية هكذا أحب اليمنيون تسميتها، ولهذا السبب دلالات عدة منها أن الهجوم على حاملة الطائرات الأمريكية "آبراهام لينكولن" ومدمرتين أخريين أثناء عبورها مضيق باب المندب كان كبيرا، وقد تم استهدافها بـ8 طائرات مسيّرة مذّخرة، و5 صواريخ باليستية، و3 صواريخ كروز، وفقا لما اعترف به وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون.
المتحدث باسم البنتاغون أقر بالهجوم، زاعماً أن القوات الأمريكية تصدّت له. وبمعزل عن الرواية الأمريكية التي ثبت كذبها طوال عام على الأقل بما خص الحرب الحالية، فالعملية اليمنية النوعية المركبة تجعل من اليمن أول بلد عربي يضرب حاملات الطائرات الأمريكية وأساطيلها البحرية (اليابان كانت قد ضربت عام 1941 قاعدة "بيرل هاربر" العسكرية الأمريكية والتي تعتبر المقر الرئيس لأسطول الولايات المتحدة في المحيط الهادئ).
وتأتي العملية اليمنية في ظل تصعيد أميركي - بريطاني لافت ومستمر منذ أيام، تطال فيه الغارات العدوانية المكثفة مناطق يمنية جديدة طمعاً بالضغط على صنعاء، بعدما باتت الجبهة اليمنية أكثر تأثيرا على العدو الصهيوني وداعميه الأمريكيين والبريطانيين والغربيين بشكل عام.
العملية اليمنية خطوة جديدة على طريق كسر الهيمنة الأمريكية وتهشيم الردع الأمريكي والغربي. فحاملة الطائرات "لينكولن" احدى أكبر السفن الحربية في العالم، وهي الأهم والأقوى والأكثر تطوراً على وجه المعمورة. هي حاملة نووية وبمثابة قاعدة جوية ومدينة عائمة يعيش على متنها أكثر من 5 آلاف بحار وطيار وجندي وضابط وتحمل نحو 90 طائرة مقاتلة ومروحية. وهي ذات تاريخ حافل بالاعتداء على منطقتنا وبلداننا.
للعملية بُعد استراتيجي واستخباري، يشير الى التطور في القدرات اليمنية لم يقتصر على الصعيد العسكري، بل تعداه الى مستوى الرصد والاستطلاع والاستخبارات. فوفقا لإعلان القوات المسلحة اليمنية، أحبطت الأخيرة عدواناً أمريكياً كان قيد التحضير وبصدد التنفيذ. ورغم الإجراءات الاحترازية الأمريكية التي كانت تهدف لتحاشي مصير "آيزنهاور"، استطاعت القوات اليمنية استهداف حاملة الطائرات بقوة وكفاءة عاليتين، رغم اعتماد الأميركيين لأساليب التمويه والاختفاء عن الرادارات خلال تنقلاتهم في المنطقة التي تقع تحت نيران صنعاء.
أما لوجستيا وعملياتيا، فقد نجح اليمن في التقيلص من آثار الغارات العدوانية على البلاد. ورغم ذلك، استمرت القوات اليمنية في تثبيت قواعد جديدة في مواجهتها مع أعتى قوتين استعماريتين في العالم، مطورة قدراتها الهجومية التي لم تعد تنحصر بالبحرين الأحمر والعربي، فالعملية هذه اتخذت من البحر العربي مسرحا لها، كما سبق ووصلت العمليات اليمنية للمياه المتوسطية. أما الدفاعية فشملت إسقاط 12 طائرة MQ-9 Reaper المتطورة فوق سماء اليمن خلال معركة الفتح الموعود فقط.
وكانت القوات اليمنية استهدفت قبل أسابيع حاملة الطائرات "آيزنهاور" المنسحبة من البحر الأحمر على وقع الصواريخ والمسيرات اليمنية، فيما استمرت الإدارة الأمريكية بالمناورة والتضليل وإنكار الاستهداف، لتقوم شيئا فشيئا بالنزول عن الشجرة والاعتراف أخيرا بأن إصابة "آيزنهاور" كانت "وشيكة". هذا في الوقت الذي يكشف الإعلام ما باتت تتناقله الأروقة المغلقة من إعادة الحسابات بشأن التكاليف الباهظة التي تنفق على حاملات الطائرات التي أثبتت عدم جدواها في الحروب الحديثة، لا بل تحولت إلى عبء مؤخرا، لا سيما مع ارتفاع الخسائر والأضرار وأكلاف الصيانة (وهو ما دفعها للحديث عن الاستعانة بحلفائها في شرق آسيا)، في ظل ما تواجهه الولايات المتحدة من أزمات في تجنيد البحارة.
ومع كون الهجوم اليمني على "لينكولن" هي واحدة من سلسلة العمليات اليمنية المساندة لشعب غزة ومقاومتها، غير أنه كان بمثابة رسالة يمنية نارية قاسية للولايات المتحدة ورئيسها الجديد في البيت الأبيض، مع يقين القيادة بأنه على اختلاف وتواتر الإدارات، فالأجندة واحدة والإجرام هو نفسه.
وفي المحصلة، فإن ردع واشنطن انهار، وهيبتها تهشمت، وصورتها الدولية اهتزت، بعدما فشلت -ولا تزال- في حماية الكيان الصهيوني حتى من نفسه. كما أن الشعوب - الأوروبية منها- تسجل نفورا اليوم من كل من يدعم تل أبيب، لا سيما بعدما أغدقت الإدارة الأمريكية على هذا الكيان بالدعم اللامتناهي وعلى غير صعيد.
إن من أجبر "آيزنهاور" في الماضي القريب على الانسحاب مهزوما، قادر على إجبار "لينكولن" على العودة أدراجها، للحفاظ على ماء الوجه الأمريكي أمام العالم. وفي المقلب الآخر، لا ينبغي لأحد أن يُغفل نفس صنعاء الطويل في مواجهة محور الشر العالمي على طول عقد من العدوان الذي احتشدت فيه قوى إقليمية ودولية لمواجهة ثلة مؤمنة صابرة محتسبة من شرفاء الأمة.
الكاتب: سارة عبيد