ماذا أدرك الاحتلال في جنين؟

جيش الاحتلال في مخيم جنين

سحب جيش الاحتلال آلياته المعطوبة وجنوده الذين وقعوا في كمائن المقاومة الفلسطينية، ومعهم أيضًا الردع من مخيم جنين، الذي صمد عسكريًا وشعبيًا على مدار يومين في معركته". بل وواجهت مقاومته وفي مقدمتها كتيبة جنين عدوانًا واسعًا كان الهدف منه القضاء عليها وتجريدها من جماهيرها. انتصر المخيم، وبقي ليقول: هنا مهد الثورة وشعلتها التي لن تنطفئ. وسيُقاس هذا الانتصار بما بعده، عندما سيكون "كل زقاق وشارع محطة اشتباك وقتال"، وفق الناطق العسكري باسم سرايا القدس "أبو حمزة". لم يكن محللو الاحتلال بعيدين عن إدراك هذا الواقع، وهو ما برز في طيات تعليقاتهم وانتقاداتهم للعدوان.

الاحتلال لم يعتقل المقاومين.. والعمل سيستمر في جنين

توقّع المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت احرنوت"، رون بن يشاي، "عودة الخلايا المسلحّة للعمل مجددًا في مخيم جنين لان الجيش لمم يحقق النتائج المرجوّة في الوصول لجميع المسلحين". وأضافت الصحيفة في مقال آخر أنّ الجيش " لم يستطيع اعتقال كبار القادة في جنين كما أنه لم يستطيع اعتقال أي من المقاتلين المتهمين بعمليات إطلاق نار سابقة"، معتبرةً أنّ العملية في جنين ليست الا "مسكّن لمريض ميؤوس من شفائه"، وبالتالي لم تستطع تغيير الواقع في الضفة الغربية.

في هذا السياق ايضًا، قرأت صحيفة "هآرتس" العبرية فشل الأهداف الكبرى والاستراتيجية للاحتلال من هذه العملية في جنين، إذ أنها "لن تحقق أهدافها كاملة بالقضاء على المقاومة". وكانت قد دعت رئيس الوزراء بنامين نتنياهو، ووزير الحرب يوآف غالانت، الى وقف العملية التي ورّطت "جنود الجيش في معارك شوارع خطيرة". وهنا اعترف مسؤول في الجيش في حديثه مع صحيفة "معاريف" أنّه "لو تعمّق الجيش داخل المخيم لواجه قتالًا شرسًا"، فالمقاومون الفلسطينيون أظهروا تطورات في التكتيك والقدرات، ما عرقل أيضًا الأهداف العملية للجيش الذي "وجد صعوبة في الوصول إلى جميع الاسلحة والمسلحين في جنين"، وفق الجيش.

"معضلة" الجيل الجديد

المقاومة في الضفة الغربية وفي جنين لم تنهيها لا سلسلة الاغتيالات والاعتقالات خلال السنتين الماضيتين ولا العدوانين الأخيرين (الأول في 19/6/2023، والثاني في 3/7/2023)، لأنّ المقاومة هي منهج يتّبعه الجيل الجديد في المخيم وينبع من دوافع بداخلهم ومن رغبتهم في التخلّص من الاحتلال واعتداءاته المتكررة. في ملاحظة أعمار الشهداء الذين ارتقوا خلال الاشتباكات فإنّهم بين سنوات الـ 16 الى 26 سنة فقط، أي أن "الذين تحاربهم إسرائيل اليوم كانوا  أطفالًا، وربما لم يولدوا حين نفذ الجيش عدوانا أوسع بكثير ضد المسلحين في جنين منذ عقدين... هؤلاء هم الجيل الذي ولد بعد اتفاقات أوسلو تربى على الدمار والاستفزاز والوقاحة الإسرائيلية، وعدم الاهتمام الدولي، جيل من الشباب غاضب، كل هدفه هو حمل السلاح وإطلاق النار ضد الاحتلال"، وفق "هآرتس".

نتنياهو يستعرض فقط

انتقدت "هآرتس"، أمام مشاهد هزيمة وفشل الجيش في جنين مقابل المقاتلين بالأسلحة الفردية والعبوات المحليّة المستوى السياسي، معتبرةً أنه تبيّن أنّ نتنياهو لم يمتنع عن "أعمال استعراضية عسكرية بدايتها معروفة لكن نهايتها محملة بالمصيبة". كذلك رأى الكاتب في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، آفي يسخارف أنّ "عملية الجيش الإسرائيلي في جنين تخدم أهداف بنيامين نتنياهو السياسية"، محددًا أنها توهم المستوطنين بأنّ الحكومة سوف لن تتركهم.

فيما حين كان الجيش يصبّ جهده لاعتقال المقاومين في جنين والتخلّص من المقاومة، يخترق الشهيد عبد الوهاب الخلايلة "تل أبيب" وينفّذ عملية الدهس موقعًا حوالي الـ 10 إصابات منها الخطيرة.

وحدة الساحات وتجربة غزّة

لم ينتظر الاحتلال أيّ تصريحات أو تعليق من المقاومة في غزّة او في أي ساحة أخرى قبل أن يرفع درجة التأهب على الجبهات أخرى. ترافقت جهوزية الجيش على جبهتي غزّة ولبنان مع اقتحامه لمخيم جنين. ما يدلّل على أنّ معادلة وحدة الساحات، سواء على المستوى الفلسطيني أو الإقليمي قد تكرّست في الوعي الإسرائيلي. وهنا علّقت "هآرتس" بالقول إنّه " منذ بداية السنة يكثرون في جهاز الامن التحدث عن خطر "توحد الساحات"، أي يمكن أن يكون لحادثة في القدس أو في الضفة الغربية تداعيات لاطلاق الصواريخ من القطاع أو من سوريا أو من لبنان".

أهمية هذه المعركة "بأس جنين"، وما أظهرته وأثبتته المقاومة الفلسطينية خلالها يؤكد أنّ الرهان على ما بعدها، مع استمرار تطور قدرات وأداء الكتائب والمجموعات، وإبقاء الضفة ساحةً مشتعلة لا تعود أبدًا الى فترة الركود، والخشية من المسار المتصاعد هو وصوله الى "تطوير قدرات صاروخية في مدن الضفة الغربية"، حسب ما تنقل صحيفة هآرتس عن مخاوف إسرائيلية وأمريكية.


الكاتب:

مروة ناصر

-ماجستير في الصحافة وعلوم الإعلام.

 




روزنامة المحور