الجمعة 29 أيلول , 2023 03:45

الاستراتيجية الدفاعية رهينة شركات الأسلحة: أيزنهاور كان على حق!

شركة لوكهيد مارتن لصناعة الأسلحة

أصدرت وزارة الدفاع الأميركية تقريراً عن حجم الانفاق الدفاعي للسنة المالية لعام 2022. كشفت خلاله كيفية قيام الولايات المتحدة بإنفاق 753 مليار دولار من ميزانية البنتاغون. اللافت أن أكثر من نصف هذه المخصصات والتي تتجاوز 388 مليار دولار ذهبت لشركات الأسلحة الخاصة لإنتاج مزيد من الأسلحة المتنوعة، أو في سبيل تقديم "خدمات" مختلفة. وهو الأمر الذي أعاد النقاش حول مدى قدرة واشنطن على الاستمرار بتغطية 750 قاعدة عسكرية حول العالم، إلى الواجهة.

بوصول البنتاغون إلى مبلغ 886 مليار دولار، وهي الزيادة المستقبلية المتوقعة، يكون الانفاق للأغراض العسكرية في أعلى مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية متجاوزاً بذلك ذروة حرب فيتنام والحرب الكورية.

يعد نفوذ لوبي الأسلحة وتأثيره على قرار البنتاغون، السبب الأبرز وراء هذه الزيادة غير المسبوقة. اذ أن امتلاكه لآلة تأثير واسعة ومعقّدة في البنية التحتية العميقة لدائرة القرار، أعطته سلطة خفيّة يستطيع خلالها تحريك عجلة الأموال المتدفقة إليه دون عوائق. تشمل آلة التأثير هذه، انفاق عشرات الملايين من التبرعات لجماعات الضغط، وللحملات الانتخابية للمرشحين للسباق الرئاسي تحديداً وغالبيتها أعضاءاً في الكونغرس أو مسؤولين في البنتاغون. أضف على ذلك، تمويل مراكز الفكر ومراكز الأبحاث التي توصي وتدافع عن مبدأ زيادة الانفاق على التسلح وإشراك موظفين في الهيئات الاستشارية الحكومية التي تساعد في إعداد الإنفاق والاستراتيجية؛ واختيار الموظفين في شركات ومصانع الأسلحة من ولايات أعضاء الكونغرس الأكثر تأثيراً على حجم وشكل ميزانية البنتاغون، وبالتالي، يجعل وقوف عضو الكونغرس أمام زيادة الانفاق وتمويل شركات الأسلحة يكلّفه انتخابياً.

ويُنقل عن أحد الصحفيين في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، قوله "إنه في الوقت الذي كانت فيه العديد من الشركات تخفض ميزانياتها الاعلانية، كانت شركة "لوكهيد مارتن" لصناعة الأسلحة، تغدق الإعلانات على صفحة كاملة في شباط/ فبراير وآذار/ مارس عام 2009 هو الشيء الرئيسي الذي أبقى الصحيفة واقفة على قدميها".

يجادل بعض المطالبين بكبح جماح الانفاق الهائل، حول ضرورة الاستغناء عن انتاج بعض أنواع الأسلحة التي لا تحتاجها واشنطن في أي من عملياتها العسكرية مهما كان شكلها. وتأتي في المقدمة، طائرة رابتور، التي تبلغ تكلفة انتاج كل طائرة 350 مليون دولار، وهي أغلى طائرة مقاتلة تم تصنيعها على الإطلاق. لم تستخدم هذه الطائرة حتى خلال الحروب الأميركية على كل من العراق وأفغانستان. إذ ان مهمتها الأولى، -كما أعلن عنها- الطيران إلى اليابان للتواجد في قاعدة جوية أمريكية هناك. واجهت الطائرة صعوبات فنية واضطرت إلى الهبوط في هاواي، وهو مكان أقصر بكثير من وجهتها النهائية.

 لكن شركة "لوكهيد مارتن" تصر على أن القدرات الفريدة "للرابتور" تبرر سعرها الضخم. وتشير مثلاً إلى أنها "المقاتلة الشبح الأولى والوحيدة التي تعمل على مدار 24/7/365 في جميع الأحوال الجوية... توفر قدرة الهيمنة الجوية من النظرة الأولى، والطلقة الأولى، والقتل الأول"؟

لدى الشركة الكثير لتقوله، وهي تعتمد على الدعاية لمنتجاتها لتحقيق القدر الأكبر من المبيعات، معتمدة على نظرية نشرتها على الصفحة الخاصة F-22 Raptor: "عندما نواجه العدو، نريد الفوز بنتيجة 100-0، وليس 51-49".

ثمة من يقول، أنه من الصعب أخذ هذا الادعاء على محمل الجد. ويشير وليام هارتونج، في كتابه "أنبياء الحرب: لوكهيد مارتن وصنع المجمع الصناعي العسكري"، أن "هذه الطائرة لم تخض قتالاً من قبل، وقد لا تفعل ذلك أبدًا نظرًا لأنها مصممة لمواجهة طائرة سوفيتية لم يتم تصنيعها مطلقاً. لذا فإن النتيجة في أفضل الأحوال هي صفر إلى صفر".

كل تلك المواصفات الجديرة بالاهتمام، لم تقنع مجلس الشيوخ حينها بضرورة تجديد عقد التمويل مع الشركة. لكن الأخيرة التي وظفت أذرعها، استطاعت ان تنتزع ما تريد. ويصف السناتور السابق ديل بومبرز (D-AR) جهودها بأنها "واحدة من أكبر جهود الضغط التي شهدتها على الإطلاق". تضمنت حملة لوكهيد مارتن حملة من قبل IAM المكونة من 570 ألف عضو للضغط على أعضاء مجلس الشيوخ الرئيسيين. وقد أعربت جماعة الضغط التابعة لـ IAM في واشنطن عن أملها في الاستمرار بهذا النهج، قبل ان نخسر الوظائف... لأن فقد الوظائف هي الشيء الوحيد الذي يخافه الكونجرس".

في خطاب مدته أقل من 10 دقائق، في 17 كانون الثاني/ يناير 1961، ألقى الرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور كلمة الوداع، التي توقع الكثير حينها، أنها ستكون مليئة "بالحنين القديم للقائد العسكري وبطل الحرب العالمية الثانية" كخطاب الجنرال دوجلاس ماك آرثر، لكنهم فوجئوا بتحذيراته القوية حول مخاطر "المجمع الصناعي العسكري".

كرئيس للولايات المتحدة لفترتين، أبطأ أيزنهاور الضغط من أجل زيادة الإنفاق الدفاعي على الرغم من الضغوط لبناء المزيد من المعدات العسكرية خلال سباق التسلح في الحرب الباردة. ومع ذلك، توسعت الخدمات العسكرية الأميركية وصناعة الدفاع بشكل كبير في خمسينيات القرن العشرين.

اعتقد أيزنهاور أن هذا النمو كان ضرورياً لمواجهة الاتحاد السوفيتي. وعلى الرغم من أنه لم يعلن عن ارباكه صراحة، إلا أن مكانته كقائد عسكري ساعدت في منحه المصداقية للوقوف في وجه ضغوط هذه المجموعة الجديدة ذات المصالح القوية. وصفه في النهاية بأنه شر لا بد منه.

حينها أوصى ايزنهاور بضرورة الحذر من نفوذ لوبي الأسلحة وتأثيره على استراتيجية الدفاع الوطنية: "الآن لم يعد بوسعنا أن نجازف بالارتجال الطارئ للدفاع الوطني؛ بل لم يعد بوسعنا أن نجازف بالدفاع الوطني. لقد اضطررنا إلى إنشاء صناعة أسلحة دائمة ذات أبعاد هائلة. في مجالس الحكومة، يجب أن نحذر من اكتساب نفوذ غير مبرر من قبل المجمع الصناعي العسكري. إن احتمال الصعود الكارثي للقوة في غير محلها موجود وسيستمر". هذه الزيادة الهائلة في الانفاق العسكري تشي بأن ايزنهاور كان على حق.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور