الخميس 09 أيار , 2024 04:33

ما الذي يمكن أن يجنيه أو يخسره نتنياهو من معركة رفح؟

بنيامين نتنياهو

لم يعد خافياً على أحد المأزق الصهيوني الذي وضعته فيه المقاومة الفلسطينية. وبات "الإسرائيليون" كحكومة يبحثون عن مخرج يحفظ لهم القليل من ماء وجههم، فلقد جففت المقاومة الفلسطينية بعد أكثر من 200 يوم من النضال والقتال الدم في عروق العدو. ردة فعل العدو على السابع من تشرين الأول/اكتوبر لم يكن بسيطاً ووليد لحظته، لقد أظهر أن ما حدث قرار مبّيت بتهجير فلسطيني غزة. لكن تداعيات القرار بارتكاب مجازر الإبادة وضعت العدو بين مطرقة تحرير أسراه، وما بين مطرقة الترددات العالمية على روع ما ارتكبه في شوارع العالم. ونتنياهو لكي يخرج سليماً أو بأقل الخسائر الممكنة يجب أن يحقق إنجازاً ما وإلا فالسجن، ولهذا ليس أمامه من خيار إلا الذهاب إلى معركة رفح.

لكن معركة رفح دونها محاسن ومساوئ بحسب نظرة المسؤولين السياسيين والعسكريين الصهاينة، وخلال المرحلة الحالية من المعركة يبدو أن المحاسن تتعلق بنتياهو وحكومته ومطلب اليمين الداعم له في الإنتخابات الصهيونية الأخيرة والتي أنتجت هذه الحكومة اليمينية المتطرفة. وعندما نقول متطرفة، فنحن نتحدث عن حكومة لا ترى مصالحها إلا من باب التطرف الديني والعنصري. فهذه الحكومة لا يعنيها اليهود العرب على سبيل المثال، إلا من باب الإنتماء إلى سام بن نوح، مما يجعل إدعاء السامية أو العداء للسامية شرعي. ولا يعنيها اليهود الفلاشا الإثيوبيين إلا من باب اليد العاملة الرخيصة، وبينما يبقى باب الدولة اليهودية مشرّع الأبواب ليهود الأشكناز الذين قادوا الحركة الصهيونية والذين أوصلوا نتنياهو للحكم وهم اليهود المتعصبين والمنادين بالدولة اليهودية.

شعار الدولة اليهودية ليس شعاراً بسيطاً. ومن خلال فهمه يمكننا أن نعرف إلى أين يريد أشخاص ابتداءاً من جيل اسحاق شامير إلى بن غوريون إلى غولدا مائير فموشي ديان وصولاً إلى اغتيال اسحاق رابين إلى وصول أشخاص مثل آرييل شارون لينتهوا بنتنياهو أخذ الكيان إليه. ما أراده هؤلاء جميعاً هو دولة "اسرائيل" وتحقيق حلم الدولة اليهودية، دولة خالية من العرب والفلسطينيين، إلا الذين يرضون العيش فيها بقوانينيها والتي تجعل منهم مواطنين درجة عاشرة لا حقوق لهم، وظيفتهم فيها أداء المهمات التي لا يرغب الصهاينة العمل بها. ونتنياهو وحليفاه الأساسيان ايتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، او بتسلئيل سموترش، وزير المالية، هم جزء لا يتجزأ من هذا الحلم.

لقد بدأت معركة رفح منذ ايام، وبدا وكأنها جاءت رداً على مقترح مصر في اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار الذي وافقت عليه قيادة حماس، في حين أن حكومة الكيان رأت فيه انتصاراً لحماس. ولذا فعلى نتنياهو أن يحقق انتصاراً في رفح. وقد أعلن راديو العدو الصهيوني في اليوم التالي لبدء المعركة، في السابع من أيار/مايو، أنه يسيطر على المعبر ونشر أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الكيان، صورة لدبابة صهيونية في داخل المعبر، ولكن لا أحد يعلم إذا ما كان هذا انتصاراً أم لا، أو أن هذا الإنتصار الذي يريده نتنياهو ليقبل باتفاق الهدنة الذي اقترحته مصر. ولكن هذا لا يكفي، فنتنياهو المأزوم داخلياً بسبب عدم رضى المتظاهرين المطالبين بقبول أي اتفاق يضمن إطلاق الأسرى، وعدم رضى حلفائه لأنه لم يذهب مبكراً إلى عملية تطهير عرقي في رفح يكون من أهم نتائجها تهجير ما تبقى من نازحي غزة على طول وعرض القطاع.

ما يريده نتنياهو من معركة رفح هو القضاء على حماس أو إعلان انتصار أسواء كان كلي أم جزئي لا يهم، وبالتالي إنهاء سلطتها في قطاع غزة، ولذلك كان هناك اعلان لأدرعي يوم الثلاثاء مفاده أنه تم القضاء على 20 "مخرباً"، وأن البحث جار عن المزيد منهم. ولكن ماذا يعني هذا الكلام، ومن أين جاء أدرعي بتوصيف الشهداء الذين تم قصفهم في القطاع بالمخربين، وبحسب ما أعلنته العديد من وسائل الإعلام فإن الشهداء هم من المدنيين، ودليل ذلك أن بينهم نساء وأطفال وكبار في السن، لكن الدعاية التي يبثها أدرعي، هي محاولة لإظهار نتنياهو وكأنه قد ابتدأ فعلياً بالإنجاز الذي أخرّه الأميركيون لفترة طويلة حتى اليوم. ولا يهم "اسرائيل" تقويض إتفاق مصر لأنه لا يمكن لنتياهو أن يذهب إلى اتفاق دون تسجيل انتصار ما على أرض المعركة يحقق من خلاله مطالب للكيان، وإلا السياسي محتوم، خاصة بعد أن أبدت الولايات المتحدة استعدادها للإنقلاب عليه والتخلص منه بعد أن استدعت بيني غانتس، ويحاول هؤلاء مجتمعون استغلال المواقف في الشارع الصهيوني للإنقلاب على نتنياهو. ويأتي ذلك بعد إعلان مواقف يوآف غالانت وزير حرب العدو الحالي المتوافق مع غانتس حول ضرورة إعادة بناء الجيش والتمهل بالذهاب إلى معركة رفح، والمتفق معه بضرورة وقف الحرب على الأقل حتى اتمام صفقة الأسرى الصهاينة. لكن نتنياهو يخشى أن يتسبب التأخير بهزيمة "اسرائيل" وتمكين حماس من استعادة أنفاسها وأنفاس الشارع الفلسطيني في حال دخول المساعدات، ويعتبر أن تحقيق اتفاق مصر في هذه المرحلة معناه انتصار لحماس ومحور المقاومة وإيران.

حتى اليوم هناك انشقاقات كبرى شهدها معسكر الحكومة الصهيونية، مع العلم أن ما يتفق عليه الجميع هو عدم إمكانية وقف الحرب مع الفلسطينيين بشكل دائم. ويبدو أن كل طرف يريد أن يخرج بمكاسب كبرى وبما يمكن أن تفرزه الحرب، اذ نشهد اليوم إعادة خلط للأوراق الإنتخابية، والتي يبدو أنها ستصب لصالح نتنياهو، مع العلم أن البعض يظن أن المظاهرات التي تشهدها شوارع تل أبيب وغيرها من الشوارع المحتلة من قبل الكيان هي التي ستطيح بنتنياهو. بداية لا يمكن لأي لجنة تحقيق كتلك التي أنشئت بعد حرب تموز 2006، لجنة فينوغراد، أن تطيح برئيس الحكومة بشكل مباشر، فنتنياهو ليس إيهودا أولمرت، بل هو أقوى منه بكثير من خلال التحالفات التي أنشأها من أجل تشكيل حكومة يمينية متطرفة. كما أن انقسام معسكر الدولة سيخلط الأوراق فعلياً. وتحالف معسكر الدولة مكون من حزبين حزب "أبيض أزرق" الذي يرأسه غالانتس وحزب "أمل جديد" ويقوده جدعون ساعر. وكانت تحالف معسكر الدولة قد تقدم كتحالف على حزب الليكود برئاسة نتنياهو خلال الانتخابات الماضية. كما أن القناة 12 العبرية قد نشرت استطلاعاً منذ فترة قصيرة جاء فيه أن أكثر من 50% من المستطلعين يؤيدون اليمين المتطرف.

ويدعو ساعر للإسراع في الحرب على حماس وخاصة في رفح وهو يتفق مع نتنياهو لناحية "ألا نخفف الضغط العسكري ونبطئ التقدم في تدمير قوات حماس، ويجب ألا نسمح بالإستيلاء على المساعدات الإنسانية". أي أن اليمين المتطرف بأجمعه، وهو الذي يدعم نتنياهو هم مع الحرب في رفح، وحتى أن ساعر يطالب بمقعد في حكومة الحرب. ولكن على المقلب الآخر، يبدو أن غانتس هو الأكثر حظاً في الوصول إلى رئاسة الحكومة في حال استقال نتنياهو، مما سيجعل الأخير في مواجهة كاملة مع المحاكمات التي تنتظره في الكيان، والتي ستنتهي به في السجن لا محالة، كما أن الأميركيين يسّهلون الدعاية التي تتحدث عن استدعاء نتنياهو مع رفقيه سموترش وبن غفير لمحاكمة دولية بجرائم الحرب. فقد بات هؤلاء يشكلون عائقاً أمام الحكومة الديمقراطية الحالية وسيتسببون بخسارتها الإنتخابات المقبلة في تشرين الثاني/يناير 2024. وسيزداد الأمر سوءاً إذا ما امتدت الحرب في رفح إلى ما بعد تموز/يوليو، وهو الموعد المطروح حتى يتمكن الرئيس الأميركي جو بايدن من تدارك الخطر بخسارة الإنتخابات بسبب الدعم اللامتناهي الذي حظيت به حكومة الكيان في عهده، والتي تسببت بأكبر مجازر عرفها التاريخ.

الخطر الأكبر الذي ستواجهه حكومة الكيان في حال خسرت الحرب في رفح، هو انتفاضة الضفة الغربية القادمة لا محالة، ولذلك فإن نتنياهو والكيان بأكمله بحاجة لإنتصار ما يسجل، يكون إما بأسر أو اغتيال أحد قادة المقاومة البارزين في حركة حماس، كما يحتاج إلى تقويض عمل المقاومة إن لم يكن هزيمتها، وهذا ما لايمكن اثباته إلا بوقف الصواريخ على غلاف غزة وباقي المستعمرات الصهيونية، وتحقيق ذلك من المستحيلات، إلا إذ تضررت قوة المقاومة أكبر بكثير مما يتوقعه أحد في محور المقاومة، وهذا ما لن يسمح به. ولهذا السبب يتخوف نتنياهو من انتصار آخر، يسجل هو في خانة انتصار حماس وإيران.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور