تكثّفت في الآونة الأخيرة محاولات الاحتلال لصوغ حلول لمعضلات المنطقة الشمالية وجبهتها التي تزداد سخونة وتأزّماً يوماً بعد يوم، من النواحي الأمنية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، ضمن مسار تصاعدي لم يخرج عن قواعد الاشتباك المستند إليها الطرفان والخاضعة للمعادلات الحاكمة منذ بداية 8 تشرين الأول الماضي.
أصداء عملية حرفيش
وعلى ضوء عملية حزب الله الأخيرة التي أدت لمقتل وإصابة عدد من الإسرائيليين في بلدة حرفيش في الجليل الأعلى، دعا وزراء في الحكومة الإسرائيلية إلى شن هجوم على حزب الله، وطالب الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس رؤساء البلدات شمال إسرائيل للاستعداد لأيام أكثر صعوبة يمكن أن تصل بهم إلى الحرب. وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الجيش يرى أن هجوم حزب الله على حرفيش هو السيناريو الأسوأ، ليس فقط أن الأسلحة الدقيقة من الجو تتمكن من اختراق شمال إسرائيل دون اعتراضها، ولكن أيضاً لا يتم إطلاق أي تحذير.
النزف الاجتماعي
من جهة ثانية، صعّد المستوطنون في الفترة الأخيرة من تحركاتهم الاحتجاجية ضدّ الحكومة وسياستها "الفاشلة"، وأقاموا- للمرة الأولى- في تاريخ الكيان، "مخيّم لاجئ الجليل"، الأمر الذي ترافق مع استمرار انتقاد قادة المستوطنين للحكومة وعجزها عن توفير استجابة لتهديد حزب الله للمستوطنات، التي تتعمّق معضلتها الديمغرافية، بفعل النزف الاجتماعي والسكّاني المتواصل بعد ثمانية أشهر من التهجير القصري.
ومما راكم حجم الخيبات والتوترات حدث الحرائق الضخمة في المستوطنات الشمالية ليلة الإثنين الماضي وما ترافق معها من تداعيات على المستوطنين، فامتدت النيران على نحو 10 آلاف دونم، على إثر "هجمات حزب الله بالصواريخ والمسيّرات" بحسب الإعلام العبري.
نتنياهو وتهديد غانتس
على ضوء هذه التطوّرات، وفي أعقاب إنذار الوزير بني غانتس بالانسحاب من الحكومة حتى الثامن من حزيران أي يوم غد السبت، ما لم يلبِّ نتنياهو عدداً من شروطه، ومنها "إعادة سكّان الشمال بحلول الأوّل من أيلول"، ارتفعت حرارة الاهتمام السياسي، بالوضعين الأمني- العسكري والاجتماعي- المدني في المنطقة الشمالية.
وفي الآونة الأخيرة، حرص نتنياهو على التركيز على أمرَين، أحدهما استجدّ بعد "إنذار غانتس"، وجرى توظيفه أيضاً في حرب المناكفات الداخلية، حيث كرّر نتنياهو في أكثر من مناسبة، بأنّ لديه خطط وخدع ستُفاجئ حزب الله في الشمال، والأمر الثاني، هو التأكيد على التزامه بإعادة مستوطني الشمال بأمن وأمان إلى مستوطناتهم. ويتناغم ذلك الاهتمام من جانب نتنياهو لوضع الشمال مع الأيام الأخيرة بجولته نهار الأربعاء عند الحدود الشمالية مع لبنان، حيث قال إن إسرائيل مستعدة لتحرك قوي في الجبهة الشمالية. كما تأتي هذه الأحداث في ظلّ توسُّع دائرة التشكيك بقدرة الحكومة والجيش الإسرائيلي على إزالة تهديد حزب الله، وسط الاعتقاد بأن الجيش ليست له اليد العليا في الجبهة الشمالية.
ما شهدته الأيام الأخيرة قد يوحي باقتراب الحرب الواسعة على لبنان، لكن تشير التقديرات إلى استبعاد قرار سياسي إسرائيلي في الوقت الحالي باجتياح بري، مع ترجيح مستويات من التصعيد النسبي. وذلك بالاستناد إلى عدة عوامل داخلية وخارجية، حيث لا تزال الحرب في غزة تشكّل أولوية قصوى لإسرائيل، ولا يبدو أن الأميركي متّجه إلى إعطاء ضوء أخضر لإسرائيل بشن عملية عسكرية واسعة على لبنان. وفي هذا السياق، رأى وزير الحرب يوآف غالانت أنه ينبغي تعزيز سقف الردود ضد حزب الله، على أن "لا يتم الذهاب إلى معركة في الشمال إلا بعدما نفهم بأنه لا يوجد طريق للتوصل إلى اتفاق حول المخطوفين واتفاق دبلوماسي"، ما يعني الاكتفاء في هذه المرحلة بردود محسوبة بسقف أعلى، من دون الانزلاق إلى أي مواجهة واسعة.
الكاتب: غرفة التحرير