الإثنين 19 آب , 2024 01:01

منشأة "عماد 4":القيمة والتأثير

منشأة عماد 4

أن يقف المجمع الاستخباري الإسرائيلي والأمريكي في حالة دهشة مما ورد في مقطع مرئي مدته 4 دقائق و35 ثانية نشره الإعلام الحربي للمقاومة الاسلامية في لبنان تحت عنوان "جبالنا خزائننا "؛ فذاك يعني أن أعداءنا المثخنين بضربة "عملية طوفان الأقصى" الاستخبارية العظمى في 7-10-2023، لم يكونوا جديرين باللحاق استخباريًا بفصائل محور المقاومة الذين طبقوا دروس الحرب الهجينة ببراعة، وأضافوا عليها عناصر كثيرة من مدرستهم الخاصة التي تمتد من صنعاء إلى طهران فالعراق وسوريا وفلسطين ولبنان.

والضربة الأكبر للاستعلاء الاستخباري لإسرائيل، هي حين تعلم أن هذه المنشأة تقرر انجازها وأخواتها بشكل مثالي، بدءاً من العام 2007 وفقًا لدروس حرب تموز 2006.

سطور من القصة الكاملة

فور انتهاء حرب تموز، قررت المقاومة الاسلامية تشكيل عشرات اللجان الفنية المعنية بكل محور ووحدة واختصاص، ممن شاركوا في الحرب، من الاختصاص اللوجستي إلى أكثر الاختصاصات سرية في المقاومة.

وجمعت تلك التقارير الفنية لتقوم الجهة القيادية الأعلى في المقاومة المعروفة بالمجلس الجهادي بدراستها في مؤتمرات عديدة لاستخلاص العبر والدروس وللتطوير. ثم أعاد المجلس مناقشة الملاحظات والعناوين الرئيسية مع كل اختصاص على حدة. وخرجت نتيجة هذا الجهد الضخم بلورة للملامح الأولية للخطط العسكرية القادمة على المستويات الاستراتيجية والتعبوية، وذلك وفق معايير تتوافق مع الأهداف، على أن تكون مرشدًا لتطوير وتأمين كافة الإمكانيات المطلوبة.

إحدى هذه البرامج كانت إعادة تنظيم القوة الصاروخية، وجعلها مستقلة بالكامل عن الجسم، في فترة اعادة التنظيم. وراعت القيادة أن تصبح القوة الجديدة بعيدة بالكامل عن (الرادار)، انطلاقاً من وضعيتها وجسمها وهيكلها وما يرتبط بها، من ملحقات كالمنشآت والأفراد والصواريخ، وكل ما يمت لذلك بصلة، من عناصر لوجستية وإدارية ومالية.

فشل عملية " الوزن النوعي " في تموز / يوليو 2006

كانت الفكرة مرتبطة بعملية الخداع الكبيرة التي نفذها القائد الجهادي الكبير الشهيد الحاج عماد مغنية قبل حرب تموز وأخلى بموجبها كل ما يمت للقوة الصاروخية النوعية بصلة ونقلها بخطة تمويه وخداع مبتكرة إلى أماكن أخرى.

وظهر من خلال تقرير فينوغراد أن واحدة من أهم إخفاقات الحرب ومفاجأتها هي فشل عملية الوزن النوعي في 14 تموز / يوليو 2006؛ حيث خسرت إسرائيل جهدًا استخباريًا مكثفًا استمر 13 عامًا منذ العام 1993 قبل عملية (تصفية الحساب) التي حصلت في تموز / يوليو من ذلك العام والتي كان هدفها الأساس نفس العملية التي تلتها في نيسان / أبريل 1996 وهو القضاء على قدرات المقاومة الصاروخية. وذلك عندما علم المجمع الاستخباراتي الإسرائيلي أن المقاومة الإسلامية بدأت منذ العام 1993 بتأسيس قوة صاروخية حقيقية.

أهمية منشأة " عماد 4"

تلبي المنشأة التي عرضها الفيديو الذي نشره الإعلام الحربي في 16-8-2024 عدة أهداف ذات بعد استراتيجي وتعبوي؛ حيث أن وجود منشأة صاروخية بهذا الحجم في مكان محصن مجهول ينزع من إسرائيل ثلاث عناصر استراتيجية في وقت واحد:

الأول: عنصر المبادأة: حيث أن هكذا منشأة تمنع إسرائيل من شن أي ضربة استباقية وقائية على أي هدف ذا قيمة في لبنان. لأنها تغامر بأن تكون هذه الضربة الخاطفة التي تتلاءم مع عقيدتها العسكرية غير مفيدة بل قد تتسبب بأن تكون الضربة الثانية من رد المقاومة أعنف وأشد بكثير من الضربة الاستباقية الوقائية. إذ تلعب المفاجأة التي تخلقها الضربة الثانية من المقاومة دورًا أكبر في الاستراتيجية عنه في التكتيك.

الثاني: عنصر المبادرة: حيث يعتبر العمل الهجومي فيها وسيلة رئيسية يسعى فيها القائد إلى الحفاظ على الزخم واغتنام المبادرة. فانتقال إسرائيل في حال تعرض للضربة الأولى من المقاومة من حالة الدفاع الاستراتيجي إلى حالة الرد الاستراتيجي يصبح غير ذي قيمة في حال بقاء أصول هجومية كمنشأة "عماد 4" وأخواتها حصينة وفاعلة وبدون مس. وكل من يعمل في مجال العمليات الجوية يعتبر أن الشرط الأساسي لنجاح الحملات الجوية الاستراتيجية هو القضاء على الأصول الاستراتيجية ومراكز الثقل لدى الخصم وحتى لو سلمت أصول تكتيكية لدى الخصم تمتلك خاصية التعامل مع خطوة ما بعد الحملة الجوية الاستراتيجية كالدفاع أو التقرب الدفاعي والهجومي من عدوها فإن الحملة الاستراتيجية تكون فاشلة.

الثالث: عنصر الردع: إن منشأة ذات طابع هجومي ودفاعي في نفس الوقت كمنشأة "عماد 4" وأخواتها يمكنها أن تكون محمية ومرنة في توجيه ضربات صاروخية كبيرة تجاه أصول إسرائيل الاستراتيجية بمنأى عن ضربة استباقية أو ضربة ثانية. وعليه فإن مناورة النار الثقيلة لهذه المنشأة يمكنها أن تتسبب بأضرار كارثية للكيان. وهذا هو تعريف كلمة "ردع بعينها".

 بشكل عام، يعتمد الردع على ركنين أساسيين: أحدهما مادي، والآخر معنوي؛ ففي حين ينطوي الركن الأول على تأمين كل مقتضيات القدرة ومستلزماتها على إنزال العقاب ضد الخصم على نحو لا يقبل الشك في استخدام القوة، يتضمن الركن الثاني شقًا سيكولوجيًا-نفسًيا غايته إيقاع التأثير النفسي في الخصم من خلال إقناعه بجدوى الانصياع لأكثر أشكال الردع التقليدي شيوعًا والمتمثل في توعده أي (الخصم) بضربة عقابية موجعة في حال حدوث اعتداء من جانبه، وهو ما يسمى الردع عن طريق الترهيب أو التخويف بالعقاب.

خلاصة واستنتاج

1)إن خسارة إسرائيل للعناصر الرئيسية الثلاث (المبادأة – المبادرة – الردع) التي تعتبر مفاتيح رئيسية ضرورية في أي استراتيجية عسكرية افتراضية سيؤدي خسارتها إلى خلل في برامج وخطط إسرائيل وفي عدم بلوغ الاهداف.

2)أنها تريح المقاومة من أي مبادرات لتعديل الميزان الاستراتيجي الدفاعي الخاص بها.

3)ستزيد هذه المسألة تأزمًا عند إسرائيل لأنه بوجود هكذا منشآت حصينة ومنيعة لدى المقاومة سيتم تحييد سلاح الجو الإسرائيلي بالكامل.

4)يؤكد بعض الغموض المتعمد في فيديو الاعلام الحربي (على وضوحه) أن نزاع الأسابيع الثلاثة الماضية على الردع والمبادأة والمبادرة، فازت بها المقاومة على حساب سوء التقدير الإسرائيلي المبني على العمى الاستخباري الاستراتيجي وعدم مجاراة محور المقاومة في التصرف بهدوء وفق خطط وتكتيكات محكمة ومجدولة.

5)الكشف عن منشأة "عماد 4"هي رسالة إلى الولايات المتحدة بأن كل ما تزود به جيش إسرائيل من أسلحة وتكنولوجيا عسكرية لا قيمة له في الصراع الاستراتيجي. فلا الصواريخ المضادة للتحصينات التي تزود بها واشنطن تنفع مع هكذا منشآت، ولا حتى القنابل الكهرو مغناطيسية ولا كل القنابل غير التقليدية.


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا




روزنامة المحور