كثّفت الولايات المتحدة الأميركية انتشارها في شرق المتوسط تحضيراً للتهديدات الإيرانية وحزب الله بالرد على الكيان الإسرائيلي عقب اغتيال هنية وشكر. تسعى واشنطن بالدرجة الأولى من هذا الحشد إلى حماية إسرائيل وردع محور المقاومة. ومع تأكيداتها بالمحافظة على الاستقرار في المنطقة ومنع اندلاع حرب إقليمية، أستقدم الجيش الأميركي أسلحة كاسرة للتوازن العسكري الاقليمي مثل طائرتي EMP Raptor F-22 و F- 35Lightning II وهما الطائرتان الوحيدتان في سلاح الجو الأمريكي القادرتان على حمل الرؤوس النووية، فضلاً عن تسريب أخبار تزود قيادة المنطقة الوسطى الامريكية بصواريخ 1 B61- التكتيكية (قنابل النبض الكهرومغناطيسي).
وبذلك ارتفعت احتمالية تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب بالنظر إلى نوعية الأسلحة التي نشرتها في المنطقة مؤخراً، في هذا الإطار، سنتحدث في هذا المقال عن أبرز تكاليف الحرب الأميركية على محور المقاومة والتي تعتبر مخاطرة كبرى على الاقتصاد الأميركي بالدرجة الأولى.
في البداية، تقدّر تكلفة الحروب الأمريكية بعد عام 2001 بـ6.4 تريليون دولار (5.4 تريليون تكاليف ميزانية عسكرية، وحد أدنى إضافي قدره 1 تريليون دولار لرعاية قدامى المحاربين). والتكاليف ناجمة عن حرب برية (عمليات واستهداف جنود وآليات) وطلعات جوية وغارات دون أي مخاطر. أما الحرب الموسعة فهي بحرية (حاملات طائرات وقطع بحرية) وبرية (قواعد منتشرة في الأردن والخليج وسوريا والعراق) وجوية (قدرات صاروخية ودفاع جوية متطورة). وتكلفة الحرب لن تشمل الكلفة العسكرية فقط، وإنما أيضاً هناك الكلفة التشغيلية للحاملات والطائرات وكلفة الرعاية.
الصراع مع الصين
من العوامل التي تلجم التدخل الأميركي المباشر في المنطقة العامل الصيني، فالإمبراطورية الأميركية المهددة بالأفول على حساب الصعود الصيني تحسب قراراتها من منظار الصين، وتدرك أن الخطأ الكبير في التقدير قد يعرّض هيمنتها على النظام العالمي للخطر. والتي تبدأ بتحويل التركيز الأميركي عن شرق آسيا، وتأخير تشكل المحور الكامل في شرق آسيا حيث الجهود لقيام تحالف في مواجهة التحدي الاستراتيجي الكبير أي ردع الصين.
حرب الولايات المتحدة مع محور المقاومة سيخفّض من حصة أميركا على صعيد الاقتصاد العالمي، أمام نمو الصين. ولن تتأثر الاستثمارات الصينية في المنطقة، وستستمر في مسار التنافس الاستراتيجي.
في هذا السياق، بلغت حصة واشنطن في عام 1960 حوالي 40%، وانخفضت إلى أقل من 25% في عام 2020. أما حصة بكين في عام 1980، فسجلت حوالي 1.4%، وارتفعت في عام 2020 إلى 18.5% ومن المتوقع أنه إذا تمكنت الصين من الحفاظ على نموها الاقتصادي الحالي. فعندئذٍ ستصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم بحلول عام 2028، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة.
التأثيرات الداخلية وأسعار النفط
من تداعيات الكلفة المترتبة تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الفوائد والتضخم والنمو وزيادة أعباء الضرائب على الشعب الأميركي، وازدياد الضغط على الموازنة المالية الأميركية العامة نتيجة الاقتراض للتمويل والفوائد على الديون. (مساعدات دفاعية بقيمة 3.8 مليار دولار سنوياً، وتمويل الحرب بلغ 18 مليار دولار حتى الآن كجزء من حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 105 مليارات دولار).
في هذا الإطار، اعتبر موقع " responsible statecraft" بأن الحرب ستؤدي إلى إغراق أميركا في أزمة اقتصادية في ظل المشكلات الاقتصادية الداخلية، فبلغ الدين الوطني الأميركي 33 تريليون دولار، وتعاني البلاد من عجز في الميزانية يزيد عن تريليون دولار كل عام في وقت السلم.
بالإضافة إلى ما سبق، ستؤدي الحرب إلى عدم الاستقرار وإثارة مخاوف المستهلكين نتيجة الاضطرابات العالمية في أسعار النفط والغذاء والطاقة ونقص الإمدادات، ما يدفع باتجاه تقليص الإنفاق والأنشطة الاقتصادية الأخرى. في هذا السياق، يقول إنديرميت جيل، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي والنائب الأول لرئيس اقتصاديات التنمية بأن "تصاعد الصراع في غرب آسيا بأعقاب حرب روسيا مع أوكرانيا سيؤدي إلى صدمة طاقة مزدوجة للمرة الأولى منذ السبعينات".
أما محافظو البنوك المركزية الأميركية فيعتبرون بأنه مهما كانت نسب الاستيراد الأميركية، حتى لو ضئيلة فالمخاطر الجيوسياسية تشكّل خطراً على توقعات النمو في أميركا لأن أسواق السلع الطاقة عالمية.
إذن، ستكون كلفة الحرب في منطقة غرب آسيا مع محور المقاومة مكلفة جداً على الاقتصاد الأميركي داخلياً، وخارجياً في قلب الاقتصاد العالمي، وبالتالي ستؤثر على منافستها مع الصين في "العقد الحاسم". ويمكن القول أن الولايات المتحدة اليوم ليست هي قبل أكثر من 20 عاماً في ظل نظام عالمي بدأ بوادر تحوله نحو التعددية القطبية أو الثانية القطبية بين الصين (القوة الصاعدة) والولايات المتحدة الأميركية (القوة المهيمنة).
الكاتب: غرفة التحرير