لا يزال الكيان الإسرائيلي بفرقه الأربعة قاصراً على اتخاذ مبادرة عسكرية تتواءم مع حشده العسكري واستعداده الهجومي، وما زالت جهوده الرئيسية تتأثر بتقديرات قواته التي نفّذت اختبارات لقوّة المقاومة في الميدان، الذي بلغ طول تماسه أمس 100 كيلومتر؛ وذلك بعدما لجأت قيادة الاحتلال أمس إلى افتتاح جبهة جديدة في مناطق شبعا والعرقوب بهدف تشتيت واستنفاذ أكبر عدد ممكن من استعدادات المقاومة.
شهد يوم 15 أكتوبر 2024 تصعيداً عسكرياً خطيراً على الحدود اللبنانية- الفلسطينية، نفذت خلاله المقاومة الإسلامية سلسلة من العمليات الهجومية ضد أهداف إسرائيلية متعددة. يعكس هذا التصعيد تغيراً نوعياً في طبيعة المواجهة، ويستدعي تقييماً دقيقاً للأبعاد العسكرية لهذه الأحداث.
النقاط الرئيسية التي بات يسعى إليها الاحتلال بعد 15 يوماً من القتال على الحافة الامامية وفي النسق الدفاعي الأول هي: أولاً، المعابر الوصولية إلى الوديان وخطوط القعر في شرق الجبهة. ثانياً، المرتفعات المشرفة على مجرى الليطاني بعمق ٢ إلى ٣ كيلومتر من الحدود. ثالثاً، التلال الحاكمة التي تؤمن له ظروف رؤية واشراف ممتازتين في الجبهة.
أما بالنسبة إلى الفرق العسكرية، استطاعت للفرقة 98 النفاذ عبر ثغرة غرب الطيبة (مشروع الطيبة) وشرق مركبا بهدف الوصول إلى رب ثلاثين ومنها إلى بني حيان فالقنطرة وصولاً إلى هدفها الرئيسي وهو عارض وادي الحجير. فقد تم حصر معظم القوات المتقدمة (يعني الجهد الرئيسي) جنوب شرق رب ثلاثين في منطقة تسمى خلة الفراشات.
أما المحاور الباقية في ميس الجبل ومركبا والعديسة وكفركلا فقد اصبحت ثانوية بالنسبة للجيش ويؤكد ذلك الإعلان عن انهاء اللواء 228 لمهمته. وذلك يؤكد أن الفرقة 91 أدخلت ليتحول عملها إلى قوات تأمين ودعم للفرقة 98، فمعظم عملياتها كانت تأمينية بمعنى أن الجهود الرئيسية والمعارك التي خاضتها كانت باتجاه بليدا وميس الجبل بهدف دعم عمليات الفرقة 98.
وبالنسبة للفرقة 36 التي توقفت في مارون الراس باستعداد كتيبة من الجولاني تدعمها كتيبة أخرى تنتشر في افيفيم وعلقت عمليات كتيبتها المدرعة الوحيدة التي زجت بها شرق يارون عند الحسينية دون أي تقدم يذكر لليوم الخامس على التوالي.
أما في الجبهة الغربية، فقد جمّد العدو وعلّق معظم عملياته في محور اللبونة المشيرفة رأس الناقورة. ودفع باستعداد كبير من اللوائين 646 والرابع المدرع يوازي الكتيبة لشن هجوم عند مثلث رامية عيتا الشعب القوزح بهدف الوصول إلى تلة القوزح وبعد اختبار الدفاعات عن رامية وعيتا الشعب. وبعدما تعرض لخسائر قبل 48 ساعة في عيتا الشعب ولخسائر أخرى أمس بعد الظهر في رامية تكبد فيها 3 جرافات ودبابتين. فقد غيّر اتجاه الهجوم ربما إلى وادي تلة الدير الكارمليت في القوزح وهدفه تلة الدير التي يوازي ارتفاعها 700 متر.
ومن ناحية القصف الصاروخي المكثّف استهدفت المقاومة الإسلامية مواقع عسكرية إسرائيلية متعددة بصليات صاروخية مكثفة، شملت مواقع في مزارع شبعا، والمرج، وخلة وردة، وراميا، وعيتا الشعب. كما استهدفت بلدات ومدن إسرائيلية داخل العمق الإسرائيلي، بما في ذلك كريات شمونة، وحيفا، وصفد، وتل أبيب. وفي هجوم نوعي، استهدفت المقاومة قاعدة نفتالي العسكرية الإسرائيلية بصليات صاروخية كبيرة. بالإضافة إلى إسقاط طائرتين مسيرتين من طراز "هرمز 450" في أجواء لبنان وفلسطين المحتلة.
أما عن الاشتباكات المسلحة فقد اندلعت اشتباكات مسلحة عنيفة بين مقاتلي المقاومة وقوات الجيش الإسرائيلي على أطراف بلدة رب ثلاثين، إثر محاولة تسلل فاشلة لقوات إسرائيلية. وتم استهداف دبابة من طراز "ميركافا" وثلاث جرافات عسكرية بصواريخ موجهة، ما أدى إلى تدميرها وقتل وجرح من فيها.
من ناحية أخرى، أكد رئيس "أمان" السابق تاير هايمن أن "إسرائيل، في ظل غياب التفكير بشكل نهاية المعركة، تقف أمام حرب لا نهاية لها، ستقودها إلى فشل استراتيجي مدوٍ من شأنه أن يدمّر تفوّقها النسبي".
وقال هايمن: "رغم أن حزب الله تعرّض لضربة قوية، وحماس تضرّرت كثيراً، فان السيناريو الأسوأ من كل شيء لا يزال قائماً"، مؤكداً أن "الإنجازات في ميدان المعركة من الممكن أن تتبدّد إذا لم تتخذ إسرائيل القرار الصحيح".
كلام هايمن تقاطع مع تصريح للمقدّم في الاحتياط والمسؤولة الكبيرة السابقة في "الشاباك"، شون رفن، التي شدّدت على أن "قدرة حزب الله على التعافي سريعة جداً، حتى لو استهدفت إسرائيل الكثير من قدراته".
ختاماً، يظهر من عمليات المقاومة اليومية، الارتقاء في نوعية الأهداف والقدرات المستخدمة لضربها، كما يُظهر الثبات الذي تُبديه غرفة عمليات المقاومة في قرار توسيع مروحة الاستهداف، خصوصاً في حيفا التي تحوّلت فعلياً إلى كريات شمونة ثانية، إضافة إلى بعض المدن المحتلة الكبرى الأخرى كصفد وتل أبيب التي باتت الصواريخ تدكّ ضواحيها بشكل متزايد.
ومن مجمل عمليات حزب الله أمس، يمكن الاستنتاج بأن المقاومة، التي قال الشيخ قاسم إنها تجاوزت مرحلة إسناد غزة ومقاومتها، إلى مرحلة مواجهة الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان بما تقتضي هذه المواجهة من مراحل (دخلنا الآن مرحلة إيلام العدو)، والتوسّع في المدى الجغرافي لصواريخ المقاومة داخل فلسطين المحتلة، تعمل على ضرب العدو بدءاً من أقرب نقطة حدودية مع فلسطين المحتلة في جنوب لبنان، وصولاً إلى أبعد نقطة في عمق فلسطين، وما بينهما من تكتيكات تبدأ من قصف تجمعات العدو ورصد تحركاته، إلى الاشتباكات وضرب الآليات في البر والجو.
الكاتب: غرفة التحرير