على الرغم من أن ترامب أمضى أربع سنوات سابقة في رئاسة الولايات المتحدة، قبل عهد الرئيس السابق جو بايدن، إلا أن المحللين والمراقبين الدوليين ليس لديهم توقعات واضحة لسياسته الخارجية في ولايته الجديدة، الرئيس الذي عرف بتقلباته وخطاباته التي تترك الخيارات مفتوحة أمام خصومه، وصف نفسه عدة مرات بأنه "مجنون".
فمنذ ترشحه لأول مرة لرئاسة الولايات المتحدة في عام 2016، وضع ترامب نفسه في خانة "زعيم لا يمكن التنبؤ بتصرفاته" وجادل بأن هذا النهج يعزز السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وخلال حملته الأولى، قال صراحةً "يجب علينا كأمة أن نكون أكثر تقلباً". وفي حفل عشاء في عام 2018، عند مناقشة المفاوضات مع كوريا الشمالية، وصف نفسه بأنه "مجنون" (على سبيل المزاح). وعندما سُئل خلال حملته الانتخابية لعام 2024 عن كيفية رده على الحصار الصيني لتايوان، أجاب ترامب، "لن أضطر إلى ذلك، لأن [شي جين بينج] يحترمني ويعرف أنني مجنون تماماً".
أدلى سياسيون ومعلقون آخرون بادعاءات مماثلة عن "استراتيجية ترامب المجنونة". ففي حزيران/يونيو، قال نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس: "إن ترامب، كما يقول منتقدوه وأنصاره، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. وأنا متأكد بنسبة 100% من أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته يعود بالنفع على الولايات المتحدة". وزعم شادي حامد، كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست، مؤخراً أن استراتيجية ترامب المجنونة ضغطت على إسرائيل لقبول وقف إطلاق النار في غزة. واعتبر تقرير صادر عن معهد أميركا أولاً للسياسة أن بوتن لم يغزُ أوكرانيا خلال ولاية ترامب الأولى لأن "بوتن لم يكن متأكدا من كيفية رد ترامب".
بحسب مقال لمجلة فورين أفيرز بعنوان "حدود نظرية المجنون"، يتحدّث الكاتب عن سياسة الجنون التي تباناها ترامب في فترة ولايته الأولى ويقول "الواقع أن فترة ولاية ترامب الأولى كانت بمثابة دليل على صعوبة القدرة على التنبؤ بسياسة ترامب الخارجية. فترامب هدد زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون "بالنار والغضب على نحو لم يشهده العالم من قبل". ولكنه أصبح بعد ذلك أول رئيس أميركي يلتقي بزعيم من كوريا الشمالية. وأمر بشن ضربة على إيران ثم ألغاها. وفرض رسوماً جمركية على بعض حلفاء أميركا، مثل كندا، في حين تجنّب حلفاء آخرين، مثل أستراليا، من دون سبب منطقي". ووفقا لوكالة أكسيوس، أمر ترامب أثناء المفاوضات التجارية مع كوريا الجنوبية فريقه التفاوضي بالقول، في إشارة إليه، "هذا الرجل مجنون إلى الحد الذي قد يجعله ينسحب في أي لحظة".
لا شك أن ترامب ليس أول زعيم يتبنى صراحةً سياسة خارجية متقلبة. فعلى مدى عقود من الزمان، استخدم رؤساء الدول في مختلف أنحاء العالم ما يعرف بنظرية "الرجل المجنون"، وهي الفكرة مفادها أنه من خلال التصرف بطريقة شديدة التقلب يمكنهم تخويف المعارضين وإرغامهم على التنازل. فخلال الحرب الباردة، على سبيل المثال، اقترح بعض الاستراتيجيين أن ظهور زعيم أميركي غير مستقر قد يدفع الدول الشيوعية إلى التعامل مع التهديدات النووية الأميركية بقدر أعظم من الجدية.
لكن بحسب مقال فورين أفيرز "ينبغي لترامب أن يكون حذراً عندما يتعلق الأمر بنظرية الجنون، لأن الدراسات تشير إلى أنه من الصعب للغاية استخدامها بنجاح. والواقع أن من النادر أن تؤتي سمعة الجنون ثمارها على المستوى الدولي. فالزعماء ورؤساء الدول المعاصرون الذين حاولوا أن يبدوا مجانين غالباً ما يفشلون في إقناع خصومهم. وينجح آخرون، لكنهم يكتشفون أن سمعتهم الموصومة بالجنون تقنع المعارضين بأنهم لا يمكن الوثوق بهم في الحفاظ على السلام. وبالتالي، سوف يحتاج ترامب إلى السير على خط رفيع، وإقناع الدول الأخرى بأنه مجنون بما يكفي لتنفيذ تهديداته ولكنه مستقر بما يكفي للالتزام بالاتفاقيات التي يبرمها. ويشير التاريخ إلى أن هذا لن يكون سهلاً".
لهذه الأسباب، سوف يضطر دونالد ترامب إلى إثبات أن لجنونه حدود. وسوف يحتاج إلى توضيح أن سياسته الخارجية ليست خالية تماماً من العقلانية والمنطق، وأنه يمكن الوثوق به في المحافظة على الاتفاقيات المبرمة. وإلا إذا ظهر ترامب وكأنه رئيس غير عقلاني ولا يقيم وزناً للالتزامات والمعاهدات، ويتبنّى سياسة خارجية شديدة التقلّب، فمن غير المتوقّع أن يحصل على ما يرمي إليه.
الكاتب: غرفة التحرير