يعتقد المؤرخ والمؤلف ديفيد سويفت، في هذا المقال الذي نشره موقع "Unherd" البريطاني، وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، بأن تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال اقتراح "تطهير" غزة، وإعادة توطين سكانها الفلسطينيين في مصر والأردن، هو أمر يشي بأن المنطقة ستشهد في المستقبل تصعيداً دموياً. لا سيما وأن الفلسطينيين يعارضون إعادة توطينهم بشكل أساسي، وأن هذا لن ينطوي على عملية سلمية بل على عنف هائل من جانب قوات الاحتلال العسكرية الإسرائيلية وسكان المستوطنين في الضفة الغربية.
النص المترجم:
في خضم موجة الأوامر التنفيذية المحلية التي أصدرها مؤخرا، تدخل دونالد ترامب أيضا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال اقتراح "تطهير" غزة، وإعادة توطين سكانها الفلسطينيين في مصر والأردن.
للوهلة الأولى، يبدو هذا الأمر غير قابل للتطبيق، نظرا لمعارضة الفلسطينيين أنفسهم، والمصريين، والأردنيين، وكل شخص آخر تقريبا في المنطقة. كما يتناقض هذا مع الوضع على الأرض، حيث يعود الفلسطينيون النازحون الآن بأعداد كبيرة إلى منازلهم في شمال القطاع - وهي ضربة للمتطرفين الإسرائيليين الذين يريدون إعادة استعمار المنطقة.
ومن الصحيح أيضا أن السياسة الخارجية لترامب متقلبة. في مرحلة ما خلال رئاسته الأولى، بدا أنه على استعداد لخوض حرب مع إيران، مع تنصيب جون بولتون، صقر طهران، مستشارا للأمن القومي. لكن بولتون لم يستمر سوى 16 شهرا قبل طرده، وكان موضوع نكات من ترامب بأنه يريد قصف أكبر عدد ممكن من البلدان بالأسلحة النووية.
ولكن إذا كانت السياسة الخارجية التي انتهجها ترامب خلال ولايته الأولى غير متسقة، فقد كانت هناك دائما بعض الثوابت. أولا، ليس لديه وقت لأرثوذكسية "الكبار في الغرفة" التي تندب، بأن بعض المواقف معقدة للغاية وأن التهديدات بالقوة غير ضرورية في السياسة العالمية. وبعد 4 سنوات فقط في منصبه، قد يعتبر أنه من الوقت المناسب اللجوء إلى الخيار النووي المتمثل في إزالة الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة وإقامة إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر، كوسيلة "لحل" مشكلة الشرق الأوسط في النهاية. كما أنه عين وروّج لصهاينة ملتزمين، مثل صهره ومستشاره في الشرق الأوسط جاريد كوشنر، وسفيرته الجديدة لدى الأمم المتحدة إليز ستيفانيك، وسفيره القادم إلى إسرائيل مايك هاكابي، مما يشير إلى أن هذا النهج محتمل.
كما أن ترامب يتعامل مع المعاملات بشكل ثابت، حيث علمته حياته المهنية حتى الآن - من العقارات في نيويورك إلى السياسة الوطنية - أنه في نهاية المطاف، يمكن شراء الجميع. وهذا ما قاده إلى اتفاقيات ابراهام في عام 2020، والتي جلبت تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين ودول أخرى في المنطقة. وفي رأيه، فإن مصر والأردن، إلى جانب السعوديين والعالم العربي، لها ثمنها أيضًا.
لذا فهناك فرصة جيدة بأن تكون تعليقات ترامب حول "تطهير" غزة، ليست مجرد حالة من التفكير بصوت عالٍ، ولا بيان استفزازي متعمد يمكن إنكاره لاحقًا، بل هي بدلاً من ذلك الطلقة الافتتاحية لسياسة جديدة. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يُنظر لاحقًا إلى الاضطرابات التي هزت الشرق الأوسط في السنوات القليلة الماضية على أنها الهدوء الذي يسبق العاصفة. ورغم أن إسرائيل قد تدفع الفلسطينيين إلى مصر والأردن، بسفك دماء هائل، إلا أنها لا تستطيع إجبار هاتين الحكومتين على قبولهم.
قد يعتقد ترامب أنه قادر على إقناع الدول العربية من خلال صفقات تجارية واستثمارات ومعاهدات دفاعية. وقد حاول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالفعل التقرب من ترامب، ووعد باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى السنوات الأربع المقبلة. وإذا شعر القادة العرب أنهم قادرون على النأي بأنفسهم عن هذه السياسة بشكل مناسب ــ من خلال وضع أنفسهم في موقف يقبلون فيه على مضض ويعيدون توطين الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل ــ حتى لا يتعرضوا لردود فعل سلبية محلية كبيرة، فربما يوافقون ضمنا.
ومن الصعب تصور هذا، كما يصعب تصور أن يجد ترامب نفوذا كافيا لدى الدول العربية لدفعه إلى الأمام. ونظرا لأن الرأي العام الفلسطيني، من قيادات فتح وحماس إلى مستوى الشارع، يعارض إعادة التوطين بشكل أساسي، فإن هذا لن ينطوي على عملية سلمية بل على عنف هائل من جانب القوات العسكرية الإسرائيلية وسكان المستوطنين في الضفة الغربية. ولكن إذا تعلمنا أي شيء في السنوات الثماني الماضية، فهو أن ترامب قادر على تحقيق انتصارات غير متوقعة.
المصدر: Unherd
الكاتب: غرفة التحرير