الخميس 17 آب , 2023 01:33

ساعة الصفر وكوع الكحالة

كوع الكحالة

زائرٌ أجنبي كان في ضيافة محمد علي باشا الكبير، وأراد أن يتجول في أنحاء القاهرة، فأمر له محمد علي بفرسٍ تقله، فجاءه سايس الخيول بفرسٍ هزيلةٍ مريضة، وحين عاد الزائر من جولته، رآه محمد علي يركب تلك الفرس البائسة، فسأل من أتى للضيف بهذه الفرس؟، فقيل له السايس، فطلبه، وحين أتاه سأله لمَّ أتيت للضيف بهذه الفرس الهزيلة؟ فقال لأنه كافر، لا يحق له ركوب فرسٍ أصيلة، فقال محمد علي، أتدري من هو الكافر؟ الكافر هو من لا يسمع كلامي. ثم أمر بإعدامه.

كان بإمكان محمد علي تجاوز الأمر بتنبيه السايس ألا يقوم بتكرار فعلته، كذلك كان بإمكانه الاكتفاء بتوبيخه، أو حرمانه من مرتبه الشهري، أو أيّ عقوبةٍ غير القتل، لكنه أراد رسالةً متعددة الاتجاهات والعناوين، للضيف ومن خلاله للغرب، وللداخل من خلال السايس.
ومن حُسن حظ قنوات الفتنة وقواتها وكتائبها، أنّ السيد حسن نصر الله لا يمتلك عقلية محمد علي، ولا تعنيه رسائل المودة للغرب، ولا يتعامل مع أرواح الناس باعتبارها صناديق بريد، والأهم أنه لا يمتلك مثلهم عقلية الحرب الأهلية، التي يبرعون فيها ويحترفونها، ويسلكون لها كل سبيلٍ ممكن، مهما كان هذا السبيل وعراً وضيعاً.
إنّ حُسن حظ تلك الأطراف، يتبدى فيما يظلل قوة حزب الله القاهرة من سمو أخلاق وحرصٍ وطني، حيث يتهمون الحزب بالسيطرة على الدولة، فيما الدول بطبيعتها تمتلك حق القهر المشروع، بينما حزب الله لا يعطي لنفسه سوى حق التسامح بعد خضوعه لقوة القهر اللامشروع، الذي تمارسه أطرافٌ أوهن وأضعف، من أن تؤثر على المسار التراكمي لقوة الحزب، اللهم إلّا قوةً في عضلة اللسان، لا تسمن ولا تغني إلّا الفتن.

بينما حزب الله الذي يجعل من الدولة وسيادتها شعاره الأهم، الشعار الذي مصداقه السلوك، يمارس حق الدولة في القهر المشروع تجاه بيئته حصراً، حيث يجعل من ضبطها وعضها على الجرح مصلحة وطنية لا تعلوها مصلحة، وهذا لو تعلمون عظيم، فليس من السهل كبت مشاعر انتقامية، خصوصاً مع إدراك القدرة على ترجمتها سلوكاً بشكلٍ مسبق.

إنّ هذا الاستهداف الممنهج للحزب وبيئته، لاستدراجه نحو توجيه سلاحه للداخل، هو عمل مخطط سلفاً، تديره أجهزة استخبارية متعددة والموساد على رأسها، كذلك لا تخلو دائرة الفعل هذه من أجهزةٍ عربية، ترى في تقديم الخدمات للكيان المؤقت وظيفةً وجودية.
حيث أصبحت قدرة الحزب على ضبط النفس، هي ألد أعداء الكيان المؤقت وأذنابه محلياً وإقليمياً، لأنهم يدركون أنّ ضبط النفس داخلياً، هو الممر الآمن للوصول إلى معادلة العصر الحجري، التي أطلقها السيد نصر الله في خطابه الأخير، بمناسبة انتصار تموز، وهي المعادلة التي تسعى كل الأطراف"المتأسرلة" لتجنبها.
وبمناسبة هذه المعادلة، فإنّ السيد حسن نصر الله، ارسى معادلتين كانتا مجرد تحليلاتٍ واستنتاجاتٍ سابقاً، وأصبحتا يقيناً لاحقاً، حيث من عدة سنوات مثلاً، كنت أعتبر أنّ أيّ مواجهةِ للكيان المؤقت مع لبنان، هي حربه الأخيرة، وكان هذا على سبيل التحليل والاستنتاج، ولكن حين يتحدث صاحب السبابة التي تمتلك ساعة الصفر، أنّ العصر الحجري ينتظر الكيان، وأنّ الحرب مع لبنان تستبطن الفناء وخطر الزوال للكيان، هنا نكون أمام استراتيجيةٍ جديدة، سيتبعها الكيان المؤقت في تجنب الأخطاء مع لبنان.
حيث كان الكيان يتجنب الأخطاء بكل ما أوتيّ من رعبٍ وجبن، بينما بعد معادلتي السيد نصر الله، سيصبح تجنب الأخطاء مرادفاً للوجود والبقاء، وهذا بطبيعته يستلزم العمل الدؤوب على تفريغ قوة الحزب في الداخل، ليدفع اللبنانيون فاتورة بقاء الكيان من دمائهم وأرواحهم، خصوصاً المسيحيين الذين تحاول أحزابٌ بائدة التاريخ وبشعته، استدراجهم نحو تلك النيران التي لن تبقي ولن تذر، فلا مصلحة على الإطلاق للبنانيٍ ببقاء الكيان المؤقت، فلمَّ يضطر لدفع تلك الفاتورة الباهظة، عبر تجييشٍ ساذجٍ لنرجسيةٍ بلهاء.
إنّ فرادة لبنان تأتي من تنوعه وغناه الثقافي والحضاري، وهذا نموذجٌ لا يمكن للكيان التعايش معه بكل عنصريته البغيضة، وعليه فإنّ نقل الشرذمة الحاصلة في الكيان المؤقت، والتي يخشى تحولها إلى تشظي دموي، إلى لبنان مسألة مصير ووجود، خصوصاً أنّ الكيان لا يمتلك ترف الهروب للأمام، بافتعال حربٍ مع لبنان.
لذلك سيظل العمل الاستخباري لاستدراج حزب الله إلى مستنقع الزواريب اللبنانية، هو الخيار الأمثل والمتاح، وسيظل الحزب متمسكاً بمظلة سلاحه الأخلاقية، ومشدداً على ضبط النفس في بيئته للدرجة القصوى، لحين الوصول إلى ساعة صفر العصر الحجري.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

إيهاب زكي

كاتب فلسطيني من غزة

حاصل على شهادتي بكالوريوس علوم قانونية وإدارية

 ودورة في القانون الدولي




روزنامة المحور