الأربعاء 18 أيلول , 2024 04:06

عملية تفجير البيجر: جريمة حرب ستلقى إسرائيل العقاب عليها من حيث تحتسب ولا تحتسب

عند الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر الثلاثاء 17 أيلول / سبتمبر 2024، نفّذ الكيان المؤقت جريمة حرب، حينما قام بواسطة هجوم الكتروني بتفجير أجهزة النداء التي تستخدمها الوحدات والمؤسسات المدنية التابعة لحزب الله، في وقت شبه متزامن في لبنان وسوريا، مما أسفر عن استشهاد 12 شخصاً بينهم طفلان و4 من العاملين في القطاع الصحي، وإصابة ما يقرب من 2800 شخص بالجراح.

هذه الجريمة الإسرائيلية الجديدة التي تضاف على سجل الكيان الطويل من كافة أنواع الجرائم، تؤكّد بأن حكومة نتنياهو الخاسرة عسكرياً في مواجهاتها مع محور المقاومة، تسعى بشتى الوسائل الى تصعيد الصراع، بكافة الأساليب العسكرية والأمنية، علّها من خلال ذلك تخرج من منطقة الفخ الذي وقعت فيه منذ عملية طوفان الأقصى وما بعدها.

وبالعودة الى المشهد العام للجريمة، يجب الالتفات إلى النقاط التالية:

_ تم تنفيذ الهجوم غير المسبوق في العالم من خلال استهداف أفراد يحملون "بيجر" ومتواجدين في الأماكن ذات الطابع المدني بأغلبيتهم: متاجر، مستشفيات، منازل، بقالات، الشوارع،...

وعليه فإن الإسرائيلي تعمّد ضرب المجتمع اللبناني المدني، وليس عناصر المقاومة المتواجدين على الجبهات العسكرية، ربما بهدف الضغط على حزب الله – بعد فشل الضغط العسكري – في إيقاف جبهة المساندة.

_ حصول الاعتداء وتزامنه في دولتين: سوريا ولبنان، وفي مناطق متعددة من لبنان (الجنوب، بيروت، البقاع)، هو دليل على سعيه وتعمّده لإيقاع آلاف الضحايا (شهداء وجرحى).

لذلك فإن الإشادة واجبة تجاه الجسم الطبي والمؤسسات الاستشفائية وطواقم الإغاثة والاسعافات الأولية، لسرعة وحجم تلبيتهم وتضحياتهم لأداء دورهم الإنساني والوطني.

كما لا بد الإشادة بآلاف الأشخاص والأفراد الذين توجهوا الى المراكز الصحية وغيره من الأماكن التي خصصت للتبرع بالدم (بل وصل الحال ببعضهم لإعلان الاستعداد للتبرع بالأعضاء للجرحى)، حيث كان لحشدهم أثر بالغ وكبير في إظهار تماسك الجبهة الداخلية الوطنية أمام الجريمة الإسرائيلية.

_ مسارعة الدولة اللبنانية ممثلة بالحكومة، الى إدارة الأزمة بشقيها السياسي والصحي، بالتزامن مع مواقف تضامنية لشخصيات وأحزاب سياسية منددة بالجريمة، كل هذا يساهم في تعاضد الجهود للتعافي من تداعيات الجريمة بشكل أسرع وأكبر.

المقاومة والجريمة

أمّا على صعيد المقاومة، فكان لافتاً إصدارها العديد من البيانات التي تظهر متابعتها المباشرة لما يحصل، وتحكمها وسيطرتها بواقع المواجهة مع الكيان، وقطع الطريق على ما يريد الكيان تحقيقه من أهداف خلال هذه العملية والجريمة.

لذلك سارع حزب الله في بيانه الأول، الى التأكيد على فتحه لتحقيق تقني وعلمي يكشف ملابسات الجريمة. وفي البيان الثاني تحميله لإسرائيل "المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي"، بعد التدقيق في كل الوقائع والمعطيات الراهنة والمعلومات المتوفرة حول الاعتداء، ومؤكدا بأن "هذا العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل على هذا العدوان الآثم ‏من حيث يحتسب ‏ومن حيث لا يحتسب". وعليه فإن الرد – بحسب العبارة – سيكون عسكرياً وأمنياً ومفتوح على كافة الاحتمالات.

وفي البيان الثالث، أكّد الحزب على مواصلة جبهة الإسناد لغزة وأهلها ومقاومتها وللدفاع عن لبنان وشعبه وسيادته، وبذلك يكون قد أفشل أهم أهداف العملية الإسرائيلية. وهذا ما عبر عنه عميحاي أتالي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية حيث قال: "ماذا يمكن أن نتوقع من حزب الله أن يفعل الآن؟ هل يتصور أحد أنه بعد انفجار آلاف الأجهزة سيقرر التنظيم إلقاء سلاحه؟ سيتعافى المصابون بجروح طفيفة ويعودون إلى وظائفهم، ونعود إلى نقطة البداية".

وفي سياق متّصل، فإن كل الترجيحات تشير الى أن العملية بتوقيتها وتداعياتها، كان مخطّط لها أن تكون في بدايات الحرب الواسعة بين المقاومة الإسلامية في لبنان وإسرائيل. لكن الخشية الإسرائيلية من معرفة الحزب بوجود خلل في تلك الأجهزة وانكشاف مخططها، دفعها الى تفعيل إجراءات العملية بالأمس (17/09/2024) على حساب اللحظة المناسبة ذات التأثير الأضخم في حينه بالتأكيد. وقد كشف مسؤولون لموقع "أكسيوس" بأن "إسرائيل اضطرت لتفجير أجهزة البيجر لدى عناصر حزب الله مسبقا، خوفا من اكتشاف الحزب لخطة التفجير هذه التي كانت ستنفذها إسرائيل قبل حرب واسعة".

أداة الجريمة

أداة الجريمة هو بيجر من طراز AR-924، التي أعلنت شركة "Gold Apollo" التايوانية، أنه من تصنيع شركة BAC Consulting KFT المجرية، ومقرها بودابست. وقالت الشركة عبر مديرها "هسو تشينغ كوانغ": "بموجب اتفاقية التعاون المبرمة بيننا، فقد سمحنا لشركة BAC باستخدام اسمنا التجاري للتصنيع والبيع في مناطق مختلفة، لكن التطوير والإنتاج هي مسؤوليتها الوحيدة". مضيفاً بأن اتفاقية الترخيص أبرمت على مدار السنوات الثلاث الماضية، لكنه لم يقدم أي دليل على وجود العقد، وهذا ما يُثير الشكوك حول علاقة "Gold Apollo" بالمشاركة مع إسرائيل في الجريمة. خاصةً وأن الشركة البلغارية لا يتواجد مكان واضح لها، حتى إن موقعها الالكتروني قد تم إغلاقه اليوم (أي بعد الجريمة بيومين)، وهذا ما يُضاعف الشكوك أكثر.

وأعلنت وزارة الشؤون الاقتصادية التايوانية إنه منذ بداية سنة 2022 وحتى آب / أغسطس 2024، قامت شركة غولد أبولو بتصدير 260 ألف جهاز من أجهزة النداء، بما في ذلك أكثر من 40 ألف جهاز بين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب من هذه السنة. وقالت الوزارة إنها لا تملك أي سجلات عن الصادرات المباشرة لأجهزة النداء غولد أبولو إلى لبنان.

لذلك أمام هذه المعطيات، سيكون للجريمة الإسرائيلية تداعيات خارجية أيضاً. وربما هذا ما قصدته وزارة الخارجية الروسية في بيانها لإدانة الحادثة، من أن "هذا التفجير يتطلب تحقيقا، ويتطلب اهتماما دوليا بهذا الموضوع".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور