بدأت إسرائيل تعيش تفاقم نزاعاتها الداخلية التي لم يعرف لها مثيل تاريخياً منذ تأسيس الكيان عام 1948. فشكلت عملية طوفان الأقصى أزمة الأسرى، فنتج عن ذلك مطالب سياسية واجتماعية لدى حوالي 250 عائلة إسرائيلية. وأظهرت أحداث 7 أكتوبر أيضاً، التقصير الاستخباراتي والعسكري لدى الشخصيات القيادية في الحكومة والجيش، الذين تبادلوا الاتهامات بالتقصير وإلقاء اللوم والمسؤوليات على بعضهم، وصولاً إلى درجة التخوين، وجاءت الأزمة الثالثة المستمرة أيضاً مع حرب الإبادة التي دخلت شهرها العاشر بجيش منهك، في الوقت الذي يرفض فيه المتديّنون الانضواء في السلك العسكري والقتال لحماية الدولة والدفاع عنها وسط اعتراضات واسعة من العلمانيين الإسرائيليين، وتعنت نتنياهو واليمين المتطرف بوضع الأولوية لإكمال الحرب على حساب تحرير الأسرى والمفاوضات السياسية.
في هذا الإطار، كتب أودي مزراحي على موقعه الإخباري على تلغرام "حدشوت بزمان" عن نتنياهو: "هذا الرجل يشكّل خطرا على نفسه، وبالتأكيد على أمن دولة إسرائيل، لهذا السبب كنت أكرر طوال السنوات الأربع الماضية وأحذّر منه ومن سلوكه... يعلم المتابعون لمنشوراتي أنني كنت أبدأ كل يوم تقريباً بتحذير ضد نتنياهو وبن غفير، اللذين ستؤدي أفعالهما إلى قتل اليهود في شوارع إسرائيل! الطريق إلى الجحيم قصير، إنّ إسرائيل في طريقها إلى انقلابٍ عسكريٍ مدنيٍ...الطريق إلى حرق الشوارع أصبح أقرب من أي وقت مضى، وهناك خوف جديّ في الشاباك من سيطرة المدنيين على منزل نتنياهو في قيساريا وتدميره، ويقترب العنف من الفوضى، والقوات العسكرية في الشوارع".
هذه الكلمات تلخّص مآلات خطاب الكراهية التحريضي، في داخل "المجتمع الإسرائيلي"، حيث يتعرّض الجميع للشحن السياسي القائم على تبادل التحريض المتبادل، وبشكلٍ يومي بين مؤيد ومعارض للحكومة، أو مؤيد ومعارض للحرب، أو لصفقة حول الأسرى، أو بين مؤيد ومعارض للطروحات السياسية والعسكرية ورموزها، وهي خلافات خرجت من الأطر الكلامية إلى الأطر العنفية، فهناك عشرات الأحداث الجرمية التي تحدث في الكيان المؤقت، لكنها لا تحظى بالتداول الإعلامي.
في هذا السياق، توقّع موقع أمريكي أن إسرائيل باتت مهددة بمخاطر اندلاع حرب أهلية، معتبراً أن أسبابها أعمق من أن ترتبط بالحرب على غزة أو الصراع مع حزب الله. فقد ذكر موقع (كاونتر بانش) في تحليل صحفي، أن استقالة عدد من قادة إسرائيل مثل وزراء الحرب بيني غانتس وغادي أيزنكوت كشفت عن انقسامات عميقة داخل إسرائيل، على الرغم من حرص نتنياهو على التأكيد أن "حرباً أهلية إسرائيلية لن ترى النور أبدا". وتابع التقرير الأميركي، إن الانقسام داخل إسرائيل لا يمكن النظر إليه مثل الاستقطابات الجارية في الديمقراطيات الغربية، ليس فقط لأن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية في جوهرها، ولكن لأن التكوين السياسي في إسرائيل فريد من نوعه. وأوضح التقرير أن خروج مئات الآلاف من الإسرائيليين منذ كانون الثاني/ يناير 2023 في مظاهرات حاشدة بدعم من النخب التي توصف بالليبرالية، كان هدفها منع نتنياهو من إحداث تغييرات جذرية تمسّ موازين القوى السياسية التي حكمت منذ تاريخ إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948. وعلى الرغم من أن النقاشات حرصت على التوضيح، بأن الخلافات زادت رغبة الناس في مواجهة رغبة نتنياهو في تهميش المؤسسة القضائية الإسرائيلية، لأسباب شخصية، فإن الموقع المذكور يرى، أن جذور الخلاف التي تهدد باندلاع حرب أهلية مختلفة تماماً. ويوضح ذلك بقوله إن الأمر يتعلق بعلاقة السلطة السياسية بالجيش، ويرى أن الموضوع زاد عن حدّه، عندما هاجم نتنياهو جنرالات الجيش بوضوح، قائلاً "إسرائيل دولة لها جيش وليست جيشا له دولة".
في دراسة مؤشرات العنف الاجتماعي، وارتباطها بالذهاب نحو حرب أهلية، لا بدّ من عرض بعض العناصر أو المراتب التي تؤدّي للحرب الأهلية، فهي بالترتيب: الصراع الكامن، التصعيد، الأزمة، الصراع، وصولاً إلى الحرب وما بعدها. وفي مقارنة المؤشرات مع الواقع الاجتماعي والسياسي للكيان المحتلّ، نلاحظ أنه ما زال في الطورين الأوليين. يعني هناك صراع كامن يتمظهر بأفعال معينة، وهناك تصعيد أيضاً، لكن الخلافات لم تصل بعد إلى مرحلة الأزمة التي تعني الاضطرابات وفشل المؤسسات وتشكيل الجماعات المسلحة للوصول الى الصراع المنظّم. بمعنى أن الخلافات لا تزال منضبطة لكن على المدى القصير والبعيد قد تصبح الخلافات بما هي بذور للصراعات والأزمات العميقة إلى حرب أهلية داخلية، خصوصاً مع تراجع ليبرالية الدولة الإسرائيلية والاتجاه نحو تشريعات وسياسات أكثر تسلطية وسط انقسامات عامودية وأفقية وضعف النظام التعددي الديمقراطي والحاجة إلى تشكيل عقد اجتماعي جديد.
الكاتب: غرفة التحرير